يلاحظ الدارسون لتحوُّلات القيم في المجتمع المصري المعاصر أن السفور كان حالة طارئة ، بدأت على استحياء منذ ما يقرب من خمسين عاماً ، وبلغت أوْجها منذ ثلاثين عاماً ، ثم بدأ صعودها البياني في التوقف ، ثم الهبوط ، ولا يزال آخذاً في الهبوط السريع منذ عشر سنوات ، وأن المؤشرات كلها تؤكد أن السفور يكاد يلفظ أنفاسه الأخيرة ، وستعود - بالحتم - السيادة لقانون الله ، وأمْره بالحجاب . ويلاحظ الجميع - على سبيل المثال - أن السفور في الواقع لم يكن مسيطراً إلا على شريحة صغيرة من تعداد المرأة المصرية المسلمة والقبطية على السواء ، فالمرأة الريفية والصعيدية والشعبية لم تتخلَّ أبداً عن الحجاب ، وهذا أمر دليله وبرهانه في جولة يقوم بها ذو عينين مسافراً بين القرى والنجوع . إذن فالبحث يكون مع التساؤل : كيف تسرب "السفور" - تلك الحالة الطارئة - إلى معاقل الحجاب ، وقلاع المرأة المسلمة ؟! . كيف تحولت قضية "تحرير" المرأة المسلمة إلى حملة "سفور" ؟! وكيف أخذت كلمة "تحرير" مدلول "سفور" ، على الرغم من أن التحرير يأخذ - في الإسلام - مدلول الحجاب ، فكانت المحجبة هي "الحرة" ، والسافرة هي "الأَمَة"؟! ، وهل كانت المعركة التي انتصر فيها "السفور" على "الحجاب" في بلاد الإسلام ، هل كانت معركة شريفة حقاً ، انتصر فيها "السفور" ؛ لأنه التطور الحضاري المرتقب - كما زعموا ويزعمون - ولأنه الرغبة الفعلية للمرأة ، واختيارها الحر من أجل خلاصها ؟ . إن الثابت تاريخياً أن حركة "السفور" تطابقت زمنياً في الدول القوية الثلاث : مصر ، تركيا ، إيران ، فلقد ألقت هدى شعراوي وسيزا نبراوي حجابيهما ، وداستاهما بأقدامهما فور وصولهما من مؤتمر النساء الدولي ، الذي عُقد بروما صيف عام 1923 ، وفي تركيا قام أتاتورك عام 1925 بإجبار تركيا بأكملها - وليس المرأة فقط - على هجر الإسلام كلية ، حتى الحرف الذي تُكتب به اللغة التركية متشابهاً مع لغة القرآن ، أما نزع حجاب المرأة التركية فقد تم بالإرهاب والإهانة في الطرقات ، حين كانت الشرطة يقوم بنزع حجاب المرأة التركية بالقوة ، وعندما نصَّب الإنجليز الكولونيل "رضا خان" شاه إيران عام 1926 - مؤسساً للأسرة البهلوية - قام هو الآخر من فوره بأمر الشرطة بالتعرض لكل امرأة محجبة ، ونزع حجابها غصباً ، وحظر على الفتيات المعلمات وضع الحجاب ، ودخول مدارسهن به ، ومنع أياً من ضباط الجيش من الظهور في الأماكن العامة في الشوارع برفقة امرأة محجبة ، مهما كانت صلتها وقرابتها به. هذه الرياح العاصفة التي هبت هكذا في منتصف العشرينات ؛ لتقلع المرأة المسلمة من اختيارها العقائدي الحر بالتزام الحجاب الشرعي - متدبرة هذه الآية الكريمة : {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الخيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِيناً [الأحزاب:36]. هذه الرياح العاصفة القامعة الإرهابية هل كانت صدفة في المنطقة ؟ ، وهل كان تركيزها على حجاب المرأة المسلمة مسألة عفوية ، قُصد بها الحجاب فعلاً ، وخلاص المرأة أصلاً ، أم كانت تستهدف - في ضميرها - ما هو أخطر وأبعد من الحجاب ؟!