فى مفارقة ملفتة للنظر، قرأت مقالين متتاليين للأستاذ فهمى هويدى، أحدهما يتعلق بقراءة فيما يحدث فى إسرائيل والتحليلات الإسرائيلية من صحافة وتليفزيون إزاء ما يحدث فى مصر، وهى مقالة إن صح ما فيها تجعلنا جميعا نعيد أولوياتنا فى تلك المرحلة، وهذه الدعوة موجهة للقوى المناوئة للرئيس إن كان الدافع حقا هو مصر وليس مكاسب أو بريق كرسى السلطان هو الدافع لهذه المواقف الموغلة فى التشفى والاستعلاء والغل من قوى تدعى مدنيتها وحرصها على مصلحة البلاد، بينما ترفض أى حوار إلا بلىّ ذراع المحاور معها، وإلا فلا حوار وليذهب استقرار البلاد إلى الجحيم بنفس منطق فرعون الذى يطلقونه على أول رئيس منتخب ديمقراطيًا فى تاريخ مصر، ولكنهم على أرض الواقع يخاطبون الشعب بمنطق: "ما أريكم إلا ما أرى"، فبالله عليكم منطق من هذا؟ ومن يستحق لقب الفرعون المرتبط بالأنانية وتجاهل متطلبات المرحلة الحرجة التى تتواكب مع اقتصاد يتهاوى وبورصة تخسر؟ ولكن كل ذلك لا يعنى الباحثين عن الزعامة والشهرة فى شىء، هم لا يرى الواحد منهم إلا كرسى السلطان مهما قال غير ذلك فالأفعال تكذب الأقوال. إن قراءة متأنية لبعض ما جاء بتلك المقالة يجعل أى مصرى عاقل يرى أن أمل مصر والمصريين فى توحدهم ليكونوا نفس اليد الواحدة التى أسقطت فساد وديكتاتورية ثلاثين عامًا، هذه اليد الواحدة هى السلاح الذى يخشاه الآخرون وهى الأمل الوحيد الذى يجب أن يعتصم به كل محب لهذا البلد أو منتمٍ إليها بغض النظر عن خلافاتنا فيما بيننا والتى لا يجب أن تشغلنا عن التوحد من أجل القضايا المصيرية التى تواجه بلدنا، ولن يتأتى ذلك إلا باليد الواحدة، وإلا فالجميع سيدفع ثمن تلك الرعونة، ولكن للأسف لن يدفعها فصيل أو آخر، بل سيدفعها أولاً هذا الشعب الصابر الذى أرى أن البحث عن مصالحه هو إلزام على كل قوى فى الساحة لا تملك ترف التخلى عنه نكاية فى هذا أو ذاك، الوحدة هى الأمل، ومن هنا كانت روعة المقال الآخر الذى جاء فى صورة خطاب مقترح موجه من الرئيس إلى الشعب، وهو خطاب جامع يلخص فكرة أننا كقوى سياسية وإن اختلفنا يجب أن نتوحد للخروج من الممر المظلم الذى ننحشر فيه ولا يكون خلافنا عداوة أصيلة وحرباً شعواء يشنها هذا أو ذاك، لأن تلك العداوات التى يراها البعض ليست إلا ثأرًا شخصياً يوغل صاحبه فى الكره والغل، ناسيا الأمانة التى حملها له الشعب حين رضى به واختاره كفصيل من هذا الشعب ليتحدث باسمه ويدير أموره، وهنا لابد أن تؤدى الأمانات إلى أهلها وليسبق حلمنا جميعًا غضبنا، ولتكن مصر هدفنا الأساسى بدلاً من التشفى فى الآخر أو استقواء فصيل بأطراف خارجية ضد رفاق وطنه، وهو ما يعكس شوفينية عميقة فى فكر البعض من أعضاء النخبة المصرية الذين يتحدثون عن مصر وشعبها، ولكن الواقع أنهم لا يرون إلا أنفسهم وأحلامهم وفرعونيتهم التى تجعلهم يرون ويعتقدون أن الحقيقة حكر عليهم، بينما علمنا ديننا الحنيف أن الحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أولى الناس بها، كما علمنا أئمتنا أن قولى صواب يحتمل الخطأ وقول غيرى خطأ يحتمل الصواب، أى أننا يجب أن ندرك بدون تعالٍ من فصيل على آخر أننا كلنا نتعلم لأول مرة فى حياتنا كيف نتعايش مع الآخر، وهو وضع جديد لم يعهده المصريون فى تاريخهم الذى بنى على الرأى الواحد والشخص الواحد والفكر الواحد، فما نمر به الآن تجربة جديدة على الجميع وهو ما قد يبرر بعض الأخطاء التى سقط فيها هذا الفصيل أو ذاك خلال تلك المرحلة التى يجب أن نتخطاها لنعود يدًا واحدة لمصلحة مصر وفقرائها. إن وجود نحو 40% من الرافضين للدستور يستوجب من الجميع رئاسة وحكومة ومسئولين أن ينصب اهتمامهم للبحث عن أسباب هذا الرفض لمعالجتها بدلا أن تأخذنا نشوة الأفراح بنسبة الموافقين، فالتوحد لا جدال، يقع فى جانب كبير منه على الحاكم بصفته هو من يملك موازين الأمور، وبالتالى نتوقع أن تشهد المرحلة القادمة تواصلاً أكثر مع الشارع وإعادة تقييم الأداء خلال الفترة السابقة من الجميع. قارنت للأسف بين مقالى الأستاذ هويدى الذين تشعر أنهما من قلب مهموم على هذا البلد يبحث عما يؤدى إلى استقراره وبين حديث الأستاذ هيكل منظر الناصرية التى أصلت مبدأى الرأى الواحد والفكر الواحد، وقد تابعت هذا الحوار على أساس أن الرجل ربما انشغاله باستقرار البلد سيغير من قناعاته السابقة بعد أن ظهرت بعض المؤشرات لذلك بعد لقائه مع الرئيس، ولكن كما يقولون الطبع يغلب التطبع، ما زال الرجل يبحث عن الأضواء وفقط، بينما الفكر ما زال هو الفكر البالى الإقصائى الذى لا يعرف معنى للآخر، ولا يحترم وجوده ولا بأس من التخلص منه بسجنه أو محوه، وهذا الفكر ليس جديدًا على الأستاذ فهو أحد منظريه وهو ما بنيت الناصرية عليه، فهل نتوقع منه غير ذلك؟ ولكن الغريب هو الاحتفاء الإعلامى برجل يحمل هذا الفكر البالى وما زال يفلسفه و يبرره ويروج له مع أراجوزات إعلامية تبحث عن الإثارة والفرقة حسب ما يريد ممولوها، فأين ما يقوله هيكل مما يكتبه هويدى؟ كان الإعلام فى الماضى وسيلة لتثقيف الناس والنهوض بهم، وكنا نعرف أبوابًا فى الصحف والإذاعات تندرج تحت مسمى "اعرف عدوك" تتناول دائمًا ما تنشره صحافة العدو وإعلانه تقدم للقارئ المصرى مترجمة ليعرف ما يحدث حوله خاصة من أعدائه، كان هذا يحدث عندما كنا نعانى من بث أرضى محدود وقصور عددى فى القنوات الإعلامية، فإذا بنا بعد أن منّ الله علينا بهذا العدد من فضائيات البث المباشر والعدد المتنامى لتلك القنوات لا نجد مثيلا محترما يقدم لنا ما يجب أن نعرفه عن العدو، ولا ننكر أن هناك محاولات متواضعة للأسف تفوقت عليها بعض القنوات العربية الوليدة وبدلا من أن تتفنن قنواتنا فى استرداد مكانة مصر الإعلامية وريادتها من خلال ما تقدمه، وجدناها وبلا استثناء تنزلق إلى مستنقع المال الفاسد والطائفى لنشر بذور الفتنة أينما وجدت. تحياتى