من أكثر الكاريكاتيرات المعبرة والتى أنتشرت كثيرا رسم لرمز مصر و قد إلتف حولها عددمن الرسامين كل منهم يعبر عن فكر سياسى معين و ظهر هذا فى تخيله عن الوطن الذى نقله إلى اللوحة التى أمامه فإختلفت اللوحات بإختلاف الرؤيا رغم وحدة المرئى و هذا ما يعبر عنا جميعا هو أننا أصبحنا نرى الوطن فقط بأعيينا و وفق رغباتنا و الأدهى من ذلك أنا فقدنا الرؤية عن رؤية الآخرين داخل هذه الصورة أو هذا الإطار و تبع ذلك رغبة دفينة لإخلاص صفة الوطنية للفريق الذى ننتمى إليه و نزعها عمن سواه و كأن الوطن لا يسع إلا فكراً واحدا و أن حلم الوطن الجديد الذى نتمناه جميعا لا يتحقق إلا بإخلاء الساحة من بقية الفرقاء أو وفق إرادة واحدة دون غيرها و لم يقتصر هذا التناول على الوطن بل تبعه إلى الزعامات المطروحة على الساحة الآن فالكل يراها وفق ما يتمناه لا كما هى فى الحقيقة و صرنا ننسج عنها و عليها الأمال بما فى مخيلتنا من آمال لا حسب ما يمتلكون من قدرات و يقدمون من نوايا فنضفى عليهم هالات لا يستحقونها و شرفا ليس لهم أن يدعوه ألا و هو التجرد من كل صفات حب الذات و العمل المخلص الدؤب لصالح الوطن تحت أى راية و وفق أي ظروف و لا أستثنى من ذلك أحداً فالكل بلا إستثناء يسعى ليعلو الوطن فقط تحت إمرته حتى يثبت أنه الوحيد على حق و الباقين على باطل و إن كان ثمن هذا الإثبات التخبط السياسى الذى نعانيه و الإرتباك الفكرى الذى تملّك من عقول المتابعين للجدل الدائر و إنصراف عامة الشعب عن المشاركة لما صاروا يرونه لا ناقة لهم و لا جمل فيه بل هو صراع نخب و ظهر هذا جليا فى قلة عدد المشاركين فى الإستفتاء الأخير بالمقارنة بإستفتاء مارس الشهير (ما يزيد قليلا عن النصف) ثم إنتخابات الرئاسة و هو مؤشر يجب أن يتوقف عنده المحللون فنحن أمام صورة أشبه بإعراض الشعب عن المشاركة فى الحياة السياسية و أخطر أثاره أننا فقدنا قوة الدفع اللحظى التى تتولد عقب التغيرات الكبيرة الحادثة فى المجتمع فمن المعلوم أن الجميع كان على إستعداد للتغيّر بعد يناير 2011 و كان من الممكن أن تطلب من الشعب الكثير فالتخلى عن الرشوة كمبدأ أساسى لأى تعامل مع الجهاز الحكومى أمر كان سهلا فى لحظتها و الصبر قليلا حتى يُعاد مراجعة البنية الأساسية للدولة و هياكل الأجور يمكن أن يكون مقبولاً كما كان من المقبول الدعوة للإلتزام بالقانون و القواعد التى تصنع المجتمع الحضارى و تخليّنا عنها فى سباق سعى كل فرد لإثبات علو شأنه الذى صار مقرونا بعدم إنصياعه لأي قانون. كل هذا و أكثر كان ممكنا لولا أن البعض إشترط حدوث ذلك بإعتلاه للسلطة و سعى لإفساد إى جهد حتى لا يتحقق ايّ نجاح للطرف الآخر و لو كان الثمن أن ندور فى حلقات مُفرّغة حتى يُسلم له الشعب بأحقيته فى تولى القيادة. أقول كما ذكرت فى البداية أنى لا أستثنى أحدا من الوقوع فى فخ حب الوطن من خلال عشقه لذاته فما يتمناه من علو شأنه مرهون أن يكون تحت قيادته و وفق رؤيته و أبدأ بنفسى فقد كنت كمعظم المصريين فى البداية متعلقاً بالدكتور البرادعى كرجل له حضوره الدولى و كما أن بعده عن الفساد الذى طال كل من شارك فى الحياة السياسية فى الحكم البائد كان هو جواز مروره إلى عقل المصريين و برز كحجة قوية لمن كانوا يزعمون إن فيما عدا الزعيم أو إبنه فليس هناك من يصلح (و للسخرية أن من كان يعتلون منصات الإعلام ليُروجوا لهذه الشعارات هم ما يزالون يعتلون نفس المنصات ليُروجوا أن الثورة مستمرة) كان البرادعى (سواء عن إرادتنا أو أُريد لنا) هو شعار إلتف حوله المصريون يعنى الديمقراطية و الإرادة الشعبية لكن ما بدر منه مؤخرا يظهر عمق أنفصاله عن الواقع المصرى لسنوات فهو يرى المجتمع المصرى و قد أنتقل فجأة ليصبح أوربى التعليم و الثقافة فالمجتمع الذى ينتمى كثرة من أفراده للأميين ليسوا بحاجة لأن تحاربهم لتقنعهم بمبادئك أو تعتليهم لتحكمهم و هم ليسوا أعدائك لتطردهم خارج جنة مريديك والأخطر من ذلك هو إزدواج الحديث بين ما يُطرحه فى الداخل و ما يُخاطب به الخارج و الذى يقترب من المغازلة بمفاهيم لا علاقة لها بالواقع المصرى كالحديث عن الهولوكوست أو إستعداء الغرب على شركاء الوطن كما ظهر جليا فى حديث المهندس ساويريس الأخير لقناة البى بى سى و التى تشابهت مفرادته فى النهاية مع ما طرحته تسيبى ليفنى فى حرب 2008 على غزة أنهم الوحيدين الذين يتبنون الديمقراطية الغربية فى المنطقة. و أصل إلى الدكتور أبو الفتوح الذى رأيت فيه الأنسان الوطنى كما تمنيت من الإنصهار الكامل للتدين فى بوتقة الوطنية فلا يتعارضان و لا تكون الوطنية و الوطن حكراً على فريق أو وفق رؤية لطائفة واحدة و الكل يشهد بتدين المجتمع المصرى كافة و إن إختلفت معتقداته و تعددت رؤياه داخل المعتقد الواحد. كان هذاهو الدافع الوحيد لأقتنع به فى ظل إختلافى مع الإخوان حول تداخل العمل الدعوى مع السياسى و عدم وضوح الفوارق بينها بالإضافة إلى رؤيتهم المستقبلية للعلاقات الدولية لكن هالنى منه المواقف التى أتخذها تباعا و هو يخطب ود الشارع السياسى و كأنه يمشى وراء من يُفترض أن يتبعوه إن إقتنعوا به فكان موقفه من إقصاء النائب العام السابق فى المرة الأولى مجرد ترديد لحجج واهية أراد مطلقوها التنصل من قرار طالما طالبوا به فرفضوا أن يُكتب بأسم غيرهم أو كان العناد السياسى حائلا دون موافقتهم على ما طالبوا به من قبل وجاء كلامه ليس فقط موافقا لمن يتمنى رضائهم عليه بل أيضا موافقا لما صرح به النائب نفسه عندم تحدى الرئيس أن يصدر قراراً بتخفيض سن المعاش للقضاة و كان ذلك فخا للتعجيل بالمواجهة بين الرئاسة و جموع القضاة و التى حدثت لاحقا (راجع كليبات المنشورة للنائب السابق وقت الأزمة الأولى) ثم كان ما قاله فى حق الدستور و هو تكرار لما قاله آخرون أن الدستور لا يكفل التعليم المجانى و الرعاية الصحية للجميع و صلاحيات للرئيس دون حدود و لا أطيل فى التفاصيل لكن موقف الدكتور أبو الفتوح لم يرضى من كانوا أتباعه و بالطبع لن يرضى من يسعى لرضائهم و هم لم ينتخبوه فى المرة الأولى لن ينتخبوه إلا أن كان من يقابله هو المهندس عبد المنعم الشحات (مع كامل الإحترام للمهندس) لكنهم يسعون لأن يجعلوا منه نسخة من السيد ثروت الخرباوى. أخيرا لا أجد لنفسى الحق للتعليق على السيد صباحى ففلم أكن يوما من مؤيديه يمنعنى من ذلك مفهوم العمل على تحقيق العدالة الإجتماعية مع إحترام الملكية الخاصة فلن أتبنى يوما التأميم لوسيلة وحيدة لتضييق الفوارق بين الطبقات و إن كنت مع أن تحكم الدولة سيطرتها على بعض القطاعات التى تعتبرها إستراتيجية و تضيق ذلك كلما أمكن و أن تتبنى سياسات قوية تمنع من الإحتكار و قيام كيانات إقتصادية ضخمة تفوق الدولة فى مقادراتها مما يسمح لها العبث بإقتصاديات البلاد و هذا مطبق فى أكثر الدول تبنيا للرأسمالية كنظام إقتصادى. أكاد أن أُجزم أن ما يهم طبقات الشعب الغير مسيسة من الدستور هو كيفية إختيار الرئيس و بقية السلطات و العلاقة بينهم و أن يكون هناك آلية واضحة للتغيير إن ظهر خلل بعد التطبيق وأن تضمن هذه الآلية التوازن بين قابلية التطبيق و الصون من العبث و و أرى (كالكثيرين من غيرى الذين قرأوا الدستور بعقول محايدة) أن كل هذا موجود بصورة مقبولة فالرئيس يعين رئيس الوزراء بموافقة مجلس الشعب و يمكن أن يكون هذا مخرجا فى حال غياب الأغلبية المطلقة و اللجوء للتحالفات للفوز بالحكومة التى عادة ما تكون هشة (مثلما يحدث من تساقط الحكومات فى إسرائيل لقيامها على تحالفات) فيُلزم الرئيس إلى اللجوء لشخصية من الأغلبية المطلقة إن وجدت أو توافقية إن لم تتوفر مثل هذه الأغلبية المطلقة و غالبا ما تكون تكنوقراط غير حزبية ثم هو لا يستطيع أن يعزلها إلا حجب النواب الثقة عن الحكومة كما أن المادة التى تقضى بلجوء الرئيس للشعب فى إستفتاء (و هذا لا يكون إلا إذا إختلف مع البرلمان) فهى أفضل بكثير من النموذج الأمريكى الذى يعطى الرئيس حق الإعتراض (الفيتو الأخير) لتمرير ما يراه ضد إرادة البرلمان كما أن تصعيده لأى خلاف مع مجلس النواب قد ينتهى بإرغامه على الإستقالة إن لجأ لخيار الإستفتاء و هذا يجعله يتوخى ما يقبله الشعب قبل التصعيد. و مرجعية الهيئات القضائية للمجلس الأعلى للقضاء و المجالس الرقابية لمجلس الشورى ماعدا ذلك هو من قبيل العبارات الإنشائية محل تفصيلها القوانين و التى ينشأها مجلس النواب و هو الممثل الشرعى و الوحيد للشعب. أقول كل ذلك و إقتناعى الأكبر أن قطاع كبير من المجتمع قد سأم التلويح بالمظاهرات و المناداة الدائمة بإسقاط أى نظام و كل نظام حتى يأتى النظام الذى تريده فيكون الدور على الفريق الآخر ليقوم بالدور نفسه بلا قبول لأبسط قواعد الديقراطية و هى الإحتكام إلى الصندوق وبلا ملل و لا كلل حتى يهترئ الوطن الذى أصبح حوله قليل ممن يعتلون منابر الإعلام و إن إلتفوا الكثيرمنهم حول هذه الزعامات. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]