أبدأ الكلام بالاعتذار للقارئ عن هذا الاقتباس لجملة شهيرة قيلت في عهد الفتنة الكبرى وأنا بصفة خاصة أمتلك حساسية شديدة لكل من خاض في الأحداث هذه، فلم أعلم أيًا منهم بريء النية لكن للاقتباس هنا معنى آخر أن الصائر هو رؤيتان مختلفتان لا تمنعان من التعاون بينهما لصالح الوطن لا التناحر كما الحاصل على الساحة السياسية وهو ما يجب نبذه لتخطى المرحلة الانتقالية فالبلد بحاجة لسواعد كل أبنائها والمصاعب كثيرة لا يمكن التغلب عليها إلا بتضافر جهود كل المخلصين. والاختلاف حصراً يقع في مقومين أساسيين للهوية المصرية وهما الوطنية والإسلامية أيّهما الرافد وأيّهما المصب فبينما يرى فريق الدكتور أبو الفتوح أن الدولة الحديثة هى الغاية وللوصول إليها فى ظل تركيبة الشعب المصرى المتدين بطبعه وجب الحفاظ على أُطر الشريعة كصائن للبلاد من الإنحدار إلى ما نُسب زورًا لليبرالية من تحلل من كل القيم الأخلاقية والدينية المتعارف عليها فتمسك به غلاتهم وهذه الأطر تلْزمنا بقدر إلتزامِنا بديننا ولا يجد صاحب العقل الراجح والفطرة السليمة وإن اختلفت ديانته غضاضة في اتباعها لأن فيها سلامة المجتمع وأمنه. أما إن تخطينا ذلك للمستوى الدولى كانت الوطنية هى الأساس والدافع لتكامل اقتصادي وسياسي لكل من يشاركنا فى نفس المقومات وبمعنى أدق تفعيل أكبر لدور الجامعة العربية ومنظمة العالم الإسلامى لخلق كيان اقتصادي ضخم ذي رؤية سياسية واحدة في معظم القضايا وقتها فقط يكون لنا الدور الذى نرجوه على الصعيد الدولي كمجموعة لا كفرادى ووقتها فقط لا يجد أي فرد غضاضة من الافتخار بالانتساب لهذا الكيان ذي الثقل الدولي وإن اختلف مع بعض مقوماته كما الحال مع كل المجتمعات متعددة الثقافات والأعراق. أما الرؤية الأخرى فتُبنى على أن الدولة الإسلامية العالمية التى لا يُظلم فيها أحد (و لو اختلفت ديانته) هي الغاية وإن النجاحات المتعددة على المستوى الإقليمي والتي يؤججها الروح الوطنية هو تراكمات تفضي إلى النتيجة المرجوة لا أستطيع سوى أن أقول إنها رؤية تجنح إلى المثالية بعض الشيء فالتاريخ يحدثنا بغير ذلك إن رأيناه بأعْيُن مُنْصِفة ولم نقصره على فترات قصيرة (بقياس أعمار الأمم) نتمنى أن تعود و أنا أتمنى أن أكون مخطئًا في هذه الرؤية ولكنني أرى الزمان تغير كثيرًا وتخطى هذه المرحلة التي جاز لنا فيها أن نحلم بعودة الدولة التي سقطت مع السلطان عبد الحميد. أسوق هذه الكلمات كمقدمة لعتاب رقيق لكلا الشخصين الكريمين وأتباعهما وأتمنى أن تصل الرسالة إلى الجميع أبدأ بالدكتور أبو الفتوح (و ليس بخافٍ أنى أحد مؤيديه) أقول له إنه مهما فعل فإنه لا يستطيع أن يتنصل من خلفيته الإسلامية فقد عاشها سنينًا هي الأكثرية من عمره ولا أكون متجاوزًا إن قلت إنها كل الفترة الخصبة في حياته فتملكت من عقله ووجدانه لا يجدي معها إنكار أو تلاعب بالألفاظ وأفضل تعريف له هو أنه المرشح الإسلامى المقبول من بقية الطوائف السياسية فهو تخطى أيديولوجيته لوطنيته فصارت إحدى روافدها تعضدها ولا تعارضها فانفتحت له قلوب الإسلاميين وعقول الليبراليين. أما محاولته مخاطبة ود فريق بعينه يمتاز بالصوت العالى في أجهزة الإعلام وعلى الأرض خواء فيتخذ مواقف خاصة فلا أظن ذلك إلا يُحسب عليه ويخصم من رصيده عند الكافة ولا يزيده شيئًا أول هذه المواقف عندما اجتمع عشية إعلان نتيجة انتخابات الرئاسة مع المرشحيْن عن الليبراليين والناصريين ففاجئوه بالإعلان عن فريق رئاسى (رغم أنه صار هناك رئيس منتخب) مما جعل موقفه باهتًا، و ثاني هذه المواقف عندما تحدث عن إقالة النائب العام ومسودة الدستور ففي الأمر الأول صار في حكم اليقين أن الرئيس غُدر به في هذا الموقف مرتين: مرة عندما تدخلت شخصيةٌ ما لتبطل قرار الرئيس وتجعل من النائب بطلاً و المرة الأخرى عندما أعمى الخلاف السياسي الفرق المختلفة فتدافعوا للعراك في وقت كان الدعم الشعبي هو السلاح الذي يدعم قرارًا انتظره الجميع طويلاً ذلك الدعم الذى كان هو العامل الحاسم لتمرير إقالة المجلس العسكرى بسلام فآثر القبول بالأمر الواقع إما عندما ظهرت الشروخ فى الموقف الوطنى أطل علينا من جديد وجوه كليحة كننا نظنها توارت عن المشهد للأبد ولكن الفرقة بين الشركاء أعطت جرعة شجاعة لكل أجنحة الفساد فى المجتمع، إن بقدرتهم ليس فقط البقاء بسلام ولكن أيضًا العمل على العودة غانمين بقدر غباء من يظنون أنهم وحدهم الفصيل الوطني. أما ما أعلنه الدكتور أبو الفتوح عن أن التوقيت خاطئ والطريقة خاطئة فهو تكرار لما أرادت بقية الفصائل التنصل من القرار لتفويت الفرصة على مرسي من تحقيق خطوة أخرى في التطهير تُحسب له على أمل أن يكون لهم هذا السبق وقتما يتسنى لهم اعتلاء سدة الحكم كما يتمنون ضاربين بذلك مصلحة البلد. والطريقة التى وصفوها وتبناها الدكتور أبو الفتوح (و هى إصدار تشريع للسلطة القضائية بموجب السلطة التشريعية التى بيد الرئيس فيخفض سن المعاش للقضاة) فلا أراه إلا خلطًا للأمور ودفعًا للمواجهة بين السلطة القضائية والمؤسسة الرئاسية (و التي تعهدت بعدم استخدام هذه الصلاحية إلا في أضيق الحدود)، فقط أذكر كل من تبنى هذا الرأي أن مجلس الشعب قبل حله حاول إصدار قانون للسلطة القضائية فتصدى له الجميع بما فيهم المستشار طارق البشري (راجع كتاباته وقتها في جريدة الشروق)، فضلاً عن أن مثل هذا القرار كان سينقل المواجهة ليس فقط لتشمل النائب العام ولكن عدة مئات وقد يكون آلاف من القضاة. الأمر الثاني وهو رفض الدكتور أبو الفتوح لمسودة الدستور وسعيه لمقابلة (كما نشر الإعلام) السيد صباحي والدكتور البرادعي وهما اجتمعا من قبل في نفس الأمر مع السيد موسى دون أن يدعياه (ولا يجمع الناصريين والليبراليين إلا محاولة إقصاء الإسلاميين عن الساحة بالحق أو الباطل). إن مسودة الدستور لا يجوز أن يُقال عنها أكثر من كونها مسودة وُجدت للتصليح والتنقيح وقد رأينا جميعًا أن بها عدة نقاط يجب تعديلها أو إلغاؤها إما الرفض الكامل فليس إلا إعلاء لكلمة من اعتلوا منصات الإعلام وقطنوا الفضائيات وكل أملهم أن تسقط اللجنة التأسيسية ثم يرفضوا أن يُعيّن الرئيس مرسى لجنة أخرى ويرفضوا أن تُنتخب اللجنة مباشرة من الشعب ونظل فى حلقات مفرغة حتى تعود من جديد فكرة المجلس الرئاسي أو يعود المجلس العسكري كما أراد من أقام دعوة قضائية بذلك. أنتقل إلى الرئيس مرسى و له عليّ حق النقد فيما أرى أن الصواب جانبه فيه ولى فى ذلك أمرين: أولهما أن كثرة المتحدثين من الإخوان عن أشياء يُفترض بحكم المنطق والتقاليد أنها تدور فى دواليب مؤسسة الرئاسة يفقده رصيده الذي اكتسبه عند العامة بل إن الحماسة التى دفعت بعضهم للإعلان عن علمهم ببواطن الأمور قلص من فرص تمرير قرارات أكثر جرأة و لعل كان له الأثر الأكبر فى أزمة النائب العام الأخيرة فقد صار معلومًا للمتتبع للأمور أن الرئاسة تنتهج أسلوبا ناعمًا فى التخلص من رموز النظام القديم و التى قد تكون أفسدت أو شهدت فسادًا مع الأخذ فى الاعتبار الحفاظ على المؤسسات حتى لا تشهد البلاد صراعات بين هذه المراكز والإصلاحيين الذين اعتلوا الحكم (مثل ممثلو تيار استقلال القضاء) لكن شغف البعض بالحديث عن صولات الرئيس أفزع الكثير الذين دفعتهم الحمية للوقوف مع زملائهم ولو على الباطل دفاعًا عن ما يصفونه بهيبة أبناء المهنة. الأمر الثاني يتعلق برؤيته للإصلاح وما يطلق عليه نمطًا التطهير فأمامنا تجربتين للإسلاميين وهما التجربة التركية والتجربة السودانية وهما التجربتين اللتان شهدتا وصول الإسلاميين لسدة الحكم (الصومال وأفغانستان و التى يولع العلمانيون بذكرهما لم يُكتب لهما صفة الدولة لتناحر الفرق تحت تأثير التدخلات الخارجية) والفرق بينهما أن التجربة التركية انشغل النظام بالصالح العام حتى اكتسب تأييد الجميع حتى قدر على إزاحة بقايا الدولة العميقة إما في السودان فحاول الإسلاميون التصالح مع أركان هذه الدولة العميقة للإمساك بتلاليب الحكم فإنتهى بهم الحال أن أصبحوا على شاكلتهم. أعلم أن الطريق طويل والمعوقات كثيرة وأكبرها هو عدم دعم القوى السياسية الأخرى طمعًا في أن تفشل لتكون لهم العاقبة ولا يعبئون إن كان هذا يعنى فشل الإصلاح ككل لا تأجيله ولا يدرون أن هذا يزيد من تغول أركان الدولة العميقة والتي لن يستطيع أحد بعد أن يعيدها إلى جحورها التي دخلتها بعد 25 يناير ولكن الله المستعان ومن بعده المخلصون من أبناء الوطن الذين لا يبغون علوًا فى الأرض ولا ظهورًا و لا يقضون أوقاتهم فى الفضائيات أو العوالم الافتراضية هربًا من العمل الجاد وتحمل المسئولية و استحقاقات المرحلة والعمل تحت أي راية والتعاون مع الجميع لصالح الوطن. لكن الأهم من ذلك أن تظهر المؤسسة الرئاسية أنها لن تنزلق إلى مستنقع البيئة الفاسدة التي كانت موجودة من قبل تحت دعوى عدم هدم مؤسسات الدولة. HANI SALAMA FRCSI (Oto), FRCS Glasg (ORL), FEBORL-HN ENT and Head & Neck Surgeon