رسمت الانتخابات النيابية صورة المستقبل السياسى للبلاد وفق الإرادة الشعبية, وعلّقت فى رقبة التيار الإسلامى مسئولية كبرى تتلخص فى إنقاذ الوطن من المأزق الراهن الذى نعيشه بعد الإطاحة بنظام مستبد خلّف وراءه مجموعة كبيرة من التناقضات والمشكلات.. كل هذا لا يقلقنى لأن التيار الإسلامى يمتلك الرؤية الواضحة والفهم العميق لمتطلبات المرحلة وكذا الواقع الذى نحياه, ولكن الذى يقلقنى - حقاً – هو أن هناك من ينتظر بشغف فشل التجربة بدعوى أنها تمثل توجهاً بعينه وكأن البلاد لا تعنيه, وبصرف النظر عن كون هؤلاء أقلية إلا إننى أكره أن يتمنى أحد لمصرنا الفشل فى أول تجربة حقيقية يديرها ممثلون اختارهم الشعب وفق إرادته الحرة . ومن هنا فإن المتوقع من هؤلاء المتربصين هو السلبية المطلقة والجلوس على مقعد النقاد، بل ربما المعوقين لمسيرة الإصلاح فى المرحلة المقبلة؛ أملاً فى فقدان الثقة الشعبية فى التيار الإسلامى برمته بما يضعف شعبيته فى أى انتخابات مقبلة!! هذا هو ما ينتظرونه بفارغ الصبر، وهو من المطر السيئ الذى لا يحيق إلا بأهله, فالشعب المصرى أصبح واعياً تجاه مثل هذه المؤمرات، وكذلك فإن التيار الإسلامى أذكى من أن يقف منفرداً فى خندق بناء مصر، بل ينبغى عليه أن يشترك مع الجميع فى التنمية ويتكاتف حول البناء, فهذه المرحلة تحتاج إلى إنكار الذات وتوسيع قاعدة المشاورة وترتيب الأولويات وتقديم المصلحة العامة على الخاصة وتغليب مصلحة الأغلبية على الأقلية عند التعارض, فكل ذلك من الأمور المشروعة التى يحث عليها إسلامنا الحنيف وتدعو إليها تعاليم الشريعة الصالحة للتطبيق فى كل زمان ومكان . إننا بصدد انعقاد قريب لمجلس الشعب كى يختار منه رئيساً تتوافق عليه الأغلبية, ولديه القدرة على إدارة شئون المجلس فى جو عائلى، لينظر الجميع فيما ينبغى إلغاؤه من تشريعات وما يجب إقراره وتقنينه فلا يحرم عضواً من إبداء الرأى أو كتلة من النقاش حتى يظهر الصواب فى أعين النواب فيصوتون بعد اكتمال الدراسة ووضوح الرؤية . إننا بحاجة إلى مجلس متآلف متعاون على البر والتقوى، ينسى ما بينه من خلاف فكرى أو انتماء حزبى بل يكون مستحضراً فى ذهنه أنه يعمل من أجل مصر كما يضع نصب عينيه مشكلات الجماهير التى اختارته فى هذا الموضع فيحافظ على حضور الجلسات ولا ينشغل بجمع توقيعات الوزراء على طلبات إدارية ليس هذا مكانها ولا وقتها . إننا بصدد تجربة جديدة علينا أن نخوضها بصدق وعزيمة رجال قد هضموا تجربة الحزب الوطنى المنحل بسلبياتها واكتسبوا خبرة ممارسة الإخوان خلال الدورة الماضية وتعميمها مع الحرص الكامل على نجاح التجربة . إنه من الوارد عند ممارسة العمل البرلمانى وقوع الخلافات فى وجهات النظر, ولكن ليس من المقبول أن تخرج المناقشة عن حدود آداب الحديث بين أبناء الوطن الواحد، فلا يصح أن يرمى أحد غيره بالجهل أو الخيانة أو العمالة ونحو ذلك من الكلمات النابية، بل ينبغى أن يرتفع الجميع بلغة الحوار إلى المصطلحات اللائقة بهذا المكان التشريعى الهام، الذى يمثل الوطن بأسره . إنه لابد أن تكون فى مقدمة جدول الأعمال إجراءات لرفع الظلم عن المظلومين وحماية حقوق المواطنين فى مجال المأكل والملبس والمسكن والرعاية الصحية وحفظ الأمن فى المجتمع ودعم مسيرة إتمام الجدول الزمنى لتسليم السلطة فى توقيتاتها المحددة، هذا ونسأل الله تعالى أن يوفق أعضاء المجلس إلى العمل الجاد من أجل مصر كما نناشد جميع القوى السياسية الممثلة داخل المجلس أو خارجه أن تتعاون من أجل مصلحة مصر وأن نقف جميعاً تحت لافتة {معاً على طريق النجاح}