حرب الإسقاط لا يتخيل أحد أن عناد ومكابرة النخبة العلمانية (الليبرالية واليسارية) سينتهى بها المطاف عند حد تمرير الدستور، بل إن هذه النخبة كانت على يقين ومنذ اللحظة الأولى لصراعها مع الدكتور مرسى أن الدستور سيحظى بالقبول الشعبى، فالإرادة الشعبية دائمًا فى صف التيار الإسلامى، ومن ثم فإن معركتها ستشتد قوة خلال الفترة المقبلة، وهو ما أشارت إليه تصريحات العديد من قيادات هذه النخبة. ومن بين هذا ما أعلنه الدكتور السيد البدوى رئيس حزب الوفد خلال لقاء مفتوح عقده مع جموع الوفديين من جميع المحافظات المصرية والذى أكد خلاله أنه وحزبه ومن معه سيسقطان دستور 2012، كما تم إسقاط دستور 1930م عندما تشكلت جبهة وطنية بقيادة الوفد لإسقاط دستور 1930 وامتنعت كل الأحزاب عن خوض الانتخابات حتى إسقاط هذا الدستور فى مارس 1935. كما أعلن البرادعى وقبل الاستفتاء رفضه أيضا للدستور وإن جاءت أسباب رفضه قمة فى التشدد والتطرف السياسى الذى كشف عن حقيقة مواقفه، إذ أعرب عن أسفه لطبيعة الجمعية التأسيسية المنوط بها صياغة الدستور المصرى التى اعتبر أنها تهدد بعودة مصر إلى أحلك فترات العصور الوسطى. وقال إن "من يجلس فى هذه المجموعة – يقصد أعضاء التأسيسية - إما شخص يريد تحريم الموسيقى لأنها ضد الشريعة الإسلامية أو شخص ينكر الهولوكوست أو آخر يدين الديمقراطية علناً". بل لم يتردد البرادعى فى حواره مع صحيفة دى شبيجل الألمانية فى أن يستجدى الدعم الأمريكى حيث قال: "لا يزال لدينا فرصة ولا يجب أن نضيع الصحوة وإلا ستكون مأساة، فالشباب يريدون الحرية الشخصية ووظائف أفضل. ويريدون كلمة واضحة من الغرب ضد مرسي. وإذا كان الأمريكيون والأوروبيون يؤمنون حقاً بالقيم التى طالما يدعون إيمانهم بها، فعليهم مساعدتنا بالضغط على مرسي"، ومضيفا: "لا أستطيع أن أتخيّل شخصاً لديه مبادئ ديمقراطية يدعم مثل هذا النظام على المدى البعيد". كما يأتى دور الفريق أحمد شفيق المنافس السابق للدكتور مرسى فى الانتخابات الرئاسية ليؤكد وقبل الاستفتاء على الدستور بساعات أيضًا أن الدستور مرفوض سواء كانت نتيجة الاستفتاء «نعم أم لا»، مضيفًا أنه خرج من لجنة غير سليمة ولم تُشكل بالأسلوب المنطقى الذى يعبر عن الشعب المصرى، ولذلك هى لجنة فاسدة وكل ما ينتج عنها فاسد مهما كانت النتائج التى سيتحصلون عليها سواء بالتزوير أو غيره. وتابع شفيق: «كل خيارات الرفض مطروحة وسيرى العالم كله كيف يعترض الشعب المصرى الذى أفاق من كبوته وسنتخذ جميع السبل المتاحة لنا لإجبار النظام على احترام إرادة الشعب المصرى». وألمح شفيق إلى أنه من الممكن أن تحدث «حرب شوارع»، مضيفاً: «المهم لن يوافق الشعب المصرى على استمرار الحكم المتعنت الذى لا يستجيب لإرادته». وكما هو ملاحظ، فإن كلمات شفيق تحمل الكثير من التهديد والتحذير الذى يفترض أن يؤخذ على محمل الجد، خاصة أن الأيام أثبتت أن لأمثاله من الذيول ما يتحرك لنشر الفوضى والاضطراب فى عموم البلاد. مرسى والغرب ما سردناه سالفاً ليس إلا نماذج قليلة من كثيرة تؤكد أن ثمة مخططاً يعمل دون توقف لإسقاط وإفشال الدكتور مرسى بدعم أمريكى وغربى واضح، ومن ثم فإن الحديث عنه ليس قولاً بلا أدلة أو وثائق، فما كشفته مؤخرًا العديد من الدوائر السياسية والإعلامية من الخطط الغربية لإسقاط مرسى يؤكد هذا ويوضحه. ولعل اللقاء الذى استضافه معهد واشنطن لاثنين من كبار واضعى السياسات الخارجية الأمريكية هما دينيس روس أشهر مبعوث سلام أمريكى للشرق الأوسط منذ 1993 وإيلوت برامز من مجلس العلاقات الخارجية الأمريكى ونائب مساعد الرئيس بوش الابن وأداره مدير معهد واشنطن روبرت ستالوف فى السادس من ديسمبر 2012، يكشف عن الكثير من طبيعة وملامح الخطة الغربية لإسقاط الدكتور مرسي. فقد بدأ اللقاء بتساؤل طرحه ستالوف حول ما يمكن أن تقوم به أمريكا والغرب لحصار الحكم الإسلامى فى الشرق الأوسط؟ وهو ما رد عليه ايلوت أن نجاح مرسى بنسبة 51% فقط يعنى أن هناك مقاومة حقيقية وأمامنا مهمة ومهمتنا أن نفعل أفضل مما فعلنا فى العقود الماضية، وبالتالى يجب ممارسة الضغط من ثغرة التمسك بالديمقراطية وسيادة القانون فى الأحاديث العلنية وذلك لصرف الشعوب عن الإسلاميين من خلال صندوق الانتخابات حين لا يجدون وظائف ولا تحسناً فى الاقتصاد. وأوضح أنه فى هذه الحالة سيعلم الناس بالقطع أن الإسلام ليس هو الحل كما يعدهم الإسلاميون، فلن يجدوا أمامهم إلا المعارضة الضعيفة نسبيًا وعلينا أن ندعم المعارضة معنويًا وماديًا لتكون جاهزة لتسلُّم الحكم. فيما أشار روس إلى أن الخطة باختصار تتمثل فى تعطيل تأسيس البرلمان ووضع الدستور ومؤسسات الدولة من خلال الضغط على مرسى سياسيًا وعدم دعمه اقتصاديًا ودعم المعارضة. وأضاف: "نعلم أنها "المعارضة" غير جاهزة فى مصر ولكن علينا التواصل معها لتقويتها وتعطيل العملية السياسية – الأمر الذى يستغرق من 10 إلى 20 سنة - لتمكين المعارضة من المنافسة وتقييد مرسى بوضع قواعد للعبة عليه أن يلتزم بها ويجب تحاشى إظهار مرسى كزعيم وطنى أو ممثلاً لحماية القومية المصرية". وأوضح أنه يجب الضغط على الرئيس مرسى من خلال حقوق الأقليات والنسيج الإجتماعى بحيث يظهر وكأنه يقسم مصر، فهو قد نجح فقط ب52% فى انتخابات الرئاسة واتهامه بإهمال حقوق المرأة واستبعاد 56% من المجتمع، وعدم السماح باستبعاد المعارضة من الحكم والالتزام بأمن وحماية الكيان الصهيوني. والحقيقة أن هذا الجزء من نص لقاء معهد واشنطن لا يحتاج إلى كثير تفسير، فهو يفسر ذاته بذاته، ويعرى بعضًا مما يعتزم الغرب بالتعاون مع عناصر بالداخل – بكل أسف – تنفيذه خلال المرحلة المقبلة التى لن تتجاوز عقدًا مع أسوأ الافتراضات، وبالتالى فإن المتوقع ألا تهدأ الأحوال كما يتصور البعض بعد تمرير الدستور، إلا إذا كان لدى القائمين على الحكم خطة بديلة لمواجهة المخططات المقبلة، والأمر فى هذه الحالة يجب أن يتركز حول ضمان انحياز الجماهير للحكم الإسلامى من خلال كسب الثقة وتنفيذ مشروعات التنمية وإشعار الناس بالتحسن فى الأحوال المعيشية والنمو الاقتصادى والاستقرار فى إصدار القرارات.