عذرًا لجلال المكان الرفيع.. عذرًا لجلال المنصب الشامخ.. عذرًا سيادة النائب العام.. ولذا وجب أن نقول هنا صدق من جمع فأوعى وقدر له أن يكتب فهدى إلى قولة الحق فى شرف المنصب وجلاله "إنى غمست قلمى فى صاب حياتى ومرها.. وغمسته فى شهد حياتى وحلوها.. فكان مجراه هذه السطور.. أستعيد من مضامينها ما مر بى، وما تحكمت به فى أيامى، ورغم ثقل ما حملت عند تعيينى فى فجر الشباب، وما أشقانى به حتى الشيخوخة وإلى التقاعد من جراء التمسك بها.. فلو عادت الحياة أدراجها لما رضيت بغير ما توليت من أدراج القضاء بديلاً- نعم وصدقت سيدى – ولذا فإن القضاء أسمى مهنة عرفتها البشرية منذ وعت فيه تعصم الدماء وتسفح، وتطلق الحريات وتقيد، وتحفظ الأموال وتنزع... ولا يحمد قضاء ما لم يكن العدل مبناه، ولا عدل إلا بقضاء، ولا صحة لقضاء إلا بالعدل.. (المستشار الجليل سمير ناجى). ولذا فإن الحديث هنا ليس عن شخص النائب العام الذى زكاه الكثيرون ممن يعرفونه من سدنة العدالة ومن خارجها، فهو رجل وبحق يتمتع بدماثة الخلق وحسن الطوية وله تاريخ حافل فى العمل القضائى، إنما الحديث هنا عن شرف المنصب وجلال مكانة النائب العام، ذلك لأن شرف وجلال المنصب ومكانته الرفيعة يحتم على الكافة احترام مكانة النائب العام هذا ولما كان لشرف وجلال الوظيفة مكانتها الرفيعة، الأمر الذى يستوجب من باب أولى على أعضاء النيابة العامة احترام مكانتها واحترام مكانة النائب العام الرفيعة، لأن شرف وجلال وظيفة النيابة العامة ينبثق من احترامهم للنائب العام، لأن أعضاء النيابة العامة كافة هم وكلاء للنائب العام، كل فى موضعه، وأن المساس بالنائب العام وجلال مكانته الرفيعة هو بطبيعة الحال مساس بهم وإهانة لهم، وهم بالأحرى، الأولى باحترام مكانة النائب العام، ولذا فكيف لهم إذ ينادون العامة الذين يحاصرون المحكمة الدستورية بالجلاء عنها!! وهم فى الوقت ذاته يحاصرون مكتب النائب العام رئيسهم الوظيفى الأعلى!! ولذا فلا يفوتنى وأنا فى هذا المقام أن أذكرهم جميعًا بمقولة الفقيه الفرنسى (دوبان) نقيب محامى فرنسا "يجب أن تتقدم الاستقامة والاستقلال والنزاهة، على المعلومات القضائية وموهبة الذكاء.. وقد يتوهم القاضى لحظة أن جمال وظيفته لا بد ساطع عليه، وجلالها لا محالة يكلل هامته لأنه قاض وحسب، ولكن الحقيقة هى أن القاضى لا يرتفع قدره برفعة وظيفته ولا تتسم سيماؤه بسناها إلا إذا تمثلت فى نفسه فضائلها"، وهو الأمر الذى جعله يقرر وهو فى ذات السياق أن فرنسا فى حاجة إلى ستة آلاف قاض ولا يوجد فى جيل واحد ستة آلاف رجل عظيم، ولذا هنا تأخذنا الدهشة مما بدر من السادة أعضاء النيابة العامة أمام مكتب السيد النائب العام - فما هذا الذى يحدث أن لهم بهذا، فكيف يحاصرون النائب العام الذى يمثلونه وهم وكلاءه وهو رئيسهم الأعلى؟ - فما هذا الذى يحدث؟- فالأمر لم يعد يستوعبه العقل إذ لا يتصور أحد أن يصدر هذا من أعضاء النيابة العامة وهم المطالبون باحترام قانون السلطة القضائية وتعليمات النيابة العامة فإذ بهم أول من ينتهكونها وذلك بانزلاقهم فى العمل بالسياسة وولوج معتركها والوقوع فى بحر ظلماتها العميق، إذ بازدلاف أقدامهم إلى ساحة السياسة بكل ما فيها من معوقات تمس قداسة وظيفتهم القضائية الرفيعة، ولذا فكان يتعين عليهم أن يتوخوا الحذر ذلك لأن البين والذى تجلى وسطع بوضوح أن انتصارهم لم يكن لمكانة الوظيفة وجلال المنصب بقدر ما كان انتصارًا للنفس وولوجًا فى معترك السياسة بالمخالفة للمادة 73 من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 التى تحرم عليهم العمل بالسياسة، وفقا لما تنص عليه، ونتيجة لذلك ومحمولاً عليه، فإنه يتعين على سدنة العدالة وحماة العدل أن يحترموا جلال المنصب الرفيع الذى يتطلع كل منهم أن يتبوأه فى يوم ما، ولا ينساقون وراء من أخذ بنواصيهم سعيًا لمآرب أخرى، فينالون من شخص النائب العام ورفعة منصبه، بدلا من أن يحافظوا على هيبته وجلاله، فى الوقت الذى هو محظور عليهم ذلك، فضلاً عن أنه محظور عليهم أن يسعوا إلى أحد مهما علا وبلغ ما بلغت أهميته وهناً يصدق فى حقهم قول الحكيم العربى (لا تسع بقدميك إلى من يراك دونه، واجعل انقطاعك عنه فى مقابل كبريائه.. واعلم أن عزة النفوس تقابل جاه الملوك، واستمع إلى نصيحتى ترشد.. وإلا كنت كساق الماء العذب إلى أصول الحنظل، كلما ازدادت ريًا ازدادت مرارًا).