بدأ اندلاع المظاهرات فى رومانيا ضد نظام تشاوشيسكو الشمولى فى 15 ديسمبر، وقامت عناصر الشرطة السرية بإخماد المظاهرات، وقتل فى هذه المظاهرات قرابة 150 شخصا من المواطنين فيما جرح المئات واعتقل أكثر من 200متظاهر، ثم اندلعت شرارة الثورة فى بوخارست وبقية أنحاء البلاد، وقتل الكثير من الأبرياء على يد الشرطة السرية فى رومانيا وهى جهاز يشبه مباحث أمن الدولة فى مصر. كان الرئيس الرومانى وقتها نيكولاى تشاوشيسكو يلقى خطابا أمام جمع حاشد فى 21 ديسمبر1989 بالعاصمة الرومانية بوخارست، عندما حدثت مقاطعة لخطابه فى إشارة إلى بدء معارك شرسة فى الشوارع، وبلغ عدد القتلى عشرة آلاف شخص من المدنيين. ثم اندلعت معارك شرسة خارج بوخارست فى مدن أخرى، بينما كانت قوات الأمن التى تحمى تشاوشيسكو تحارب مع الجيش لإحكام السيطرة على البلاد، وقد تمادت الشرطة السرية فى إطلاق النار على المحتجين بلا رحمة، وزاد إصرار الرومانيين على الخلاص من الطاغية، وشارك الجيش فى قتل المواطنين المحتجين. كانت طائرة هليكوبتر تحلق فوق المواطنين وهى تطلق الرصاص على طالبى الحرية والعدالة، واستخدمت قوات الطاغية الأسلحة المحرمة فى ميدان المعارك، وهى إشارة أن الطغاة يقاتلون شعوبهم بأسلحة أبشع من التى تستخدم فى ميادين المعارك، ودب التمرد والبلبلة فى صفوف الجيش بعد حمامات الدماء التى غطت شوارع رومانيا، فقد انتشرت الثورة فى كل مكان ورفض بعض الضباط فى الجيش إطاعة الأوامر. واعتبروا أن مقاومة الثورة هى إصدار أمر بإعدام الناس بلا رحمة وانتشر التمرد فى معظم الوحدات العسكرية التى رأت جثث القتلى فى الشوارع ويوجد بينها ضحايا من أسر العسكريين أنفسهم، واستنكر العالم ما يدور من قتل بلا رحمة للثوار فى رومانيا. كان تشاوشيسكو مصابا بجنون العظمة بكل معنى الكلمة، وكان يصف نفسه بدانوب الفكر، نسبة إلى نهر الدانوب الشهير الذى يمر فى رومانيا ويشكل أهم معالمها وشريان حياتها، وبالرغم من أن شعبه كان الأفقر فى أوروبا الشرقية إلا أنه كان يرى أنه نبى رومانيا الفاضلة وأن الرومانيين من أسعد شعوب العالم، وكان يفتخر بامتلاك خمسة قصور أحدهم يضم ألف حجرة وهو ما لا يملكه أحد الحكام فى العالم الحر، حتى اليزابيث الثانية ملكة بريطانيا العظمى! هذا إلى جانب قصوره فى الطائرات الرئاسية والقطارات الخاصة به. كان تشاوشيسكو يعمل على إعداد ابنه نيكو ليخلفه رغم أخلاقياته المنحطة وإدمانه السكر والقمار، واستمرت التظاهرات الشعبية مترافقة مع دعوات إلى إضرابات شلت البلد، وتطورت إلى احتلال الموظفين للدوائر والمقار الحكومية. انتقلت عدوى الاحتجاج والإضراب إلى بوخارست، ووقف تشاوشيسكو فى مثل هذا اليوم من عام 1989 يخاطب الشعب، وخلال خطابه أمام 110 ألف مواطن ظل يمتدح إنجازات الثورة الاشتراكية، وما حققه نظامه منذ توليه الأمانة العامة للحزب الشيوعى عام 1965 ثم الرئاسة عام 1974 وحتى 1989، وتركز كلامه على تخوين وإهانة المحتجين، وكان الخطاب يبث مباشرة على الهواء، لكن البث انقطع واستبدل بكليبات تشيد بتشاوشيسكو وإنجازاته، ففهم سكان رومانيا الذين كان نحو 75% منهم يتابعون الخطاب أن شيئا ما غير طبيعى قد حدث، وبالفعل ردد الحضور باستثناء الجالسين بالصفوف الأمامية هتافات منددة بالرئيس دفعته إلى قطع خطابه والدخول إلى القصر. حاول تشاوشيسكو إكمال خطابه من شرفة القصر، لكن الصفير والتنديد وشعارات مثل (ستسقط يا ديكتاتور.. العقاب للقاتل) أجبرته على وقف المحاولات. تجمع الألوف محاصرين القصر الرئاسى فى اليوم التالى مرددين هتافات أرعبت تشاوشيسكو فسارع إلى مغادرة القصر مع زوجته عبر أحد الممرات السرية ليستقل مروحيته ويتوجه إلى خارج العاصمة بوخارست، ولكن وهو فى طريقه إلى مخبأه الخاص اكتشفه بعض الفلاحين الذين ألقوا القبض عليه وسلموه إلى الثوار، الذين كبلوا يديه ويدى زوجته، ثم قام الشعب بإعدامهما رميا بالرصاص فى مشهد نقل مباشرة على الهواء، ليتابعه أبناء الشعب ليراه الرومانيون ويقتنعوا بأنه قد قضى على الديكتاتور فعلا، وتبقى هذه التجربة حيه للعيان على أن إرادة الشعوب هى الغالبة وأن الطغاة مهما يعيشون لا بد من سقوطهم.