عجلة الاستفتاء على الدستور المصرى دارت رغم كل ما جرى من محاولات مستميتة لمنعها. وأحداث الأيام الماضية تؤكد لكل ذى عينين أننا لم نعد فى ساحة سياسية تحكمها قواعد الديمقراطية التى صدعنا بها العلمانيون على امتداد عقود سابقة. وإن مشاهد حصار "بلطجية" جبهة صباحى والبرادعى للعالم الجليل الشيخ أحمد المحلاوى (88 سنة) داخل مسجد القائد إبراهيم بالإسكندرية على امتداد خمس عشرة ساعة متواصلة تحت سمع وبصر قوات الأمن يخط فى تاريخ مصر واقعة شاذة تضاف إلى وقائع حصار نابليون للأزهر الشريف ثم اقتحامه بالخيل للقضاء على الثوار، لكن الجديد هنا أن حصار "مسجد القائد إبراهيم" من قبل بلطجية صباحى والبرادعى كانت بهدف خطف إمام المسجد وهى سابقة نسمع بها لأول مرة فى التاريخ، وقد شاهدنا قبل الحصار كيف قامت جحافل البلطجية وسيوفهم فى أيديهم بعمليات تكسير وحرق طالت بعض السيارات المتواجدة أمام المسجد وقد تحولت إلى كومة من الفحم، بينما وقفت قوات الأمن عاجزة عن فعل شيء! نعم.. إن فضيلة الشيخ الجليل والمحاصرين معه خرجوا فى حماية قوات الأمن ولكن بعد خمس عشرة ساعة من الحصار وهى مدة كافية لاقتحام المسجد وقتل الشيخ ومن معه، لولا توافد الجماهير وتحرك العديد من رموز القوى السياسية للضغط على قوات الأمن لكسر سلبيتها وفعل شيء للتحرك. والأغرب فى ذلك المشهد هو موقف إعلام العار الذى كثف تغطيته للحدث بهدف التماس الحق لهمجية البلطجية فلم تتفوه قناة واحدة ولا حتى محطة البى البى سى بكلمة واحدة تفيد مشاهديها عن حصار الشيخ المحلاوى داخل مسجده وإنما تحدث الجميع عن اشتباكات بين مؤيدى ومعارضى الدستور! إن أى متأمل منصف لذلك المشهد الحزين يخرج بقراءات مهمة أبرزها ذلك التحول الدراماتيكى فى أداء جبهة البرادعى وصباحى وبقية مناصريها نحو العنف الممنهج الذى تابعناه على امتداد الأسابيع الماضية وهو العنف الذى أصر إعلام العار على إلصاقه بالطرف المعتدى عليه! وغنى عن البيان هنا فإنه من المهم التأكيد على إدانة العدوان الذى جرى أمام حزب الوفد أيا كان مصدره وأيا كان مرتكبه، وكان ينبغى على الجميع الوقوف بقوة أمام عمليات الحرق الممنهج للمقرات وحصار المساجد ولكن جبهة الإنقاذ لاذت بالصمت حيال ذلك ولاذت بصمت أشد حيال العدوان على الشيخ المحلاوى وبيت الله وعلى الجميع التحرك لوقف تلك المهزلة. لقد أفلس الساسة العلمانيون تماماً فتحوَّلوا من ساسة يحترمون قواعد العمل السياسى المتحضر إلى «بلاطجة» - بالتعبير اليمنى - ألم يعلن د.محمد البرادعى أمام وسائل الإعلام أن جبهة إنقاذه (بالتعاون مع صباحى وموسى) تحالفت مع «فلول الحزب الوطني»؟ ألم يعلن حمدين صباحى بكل جرأة أنهم سيمنعون الاستفتاء على الدستور بأى طريقة؟ ألم تظهر «جبهة الإنقاذ أو الخراب الوطني» فى الشارع وهى محاطة بجيش من البلطجية وفرها لها «فلول الحزب البائد»؟ ألم يرتكبوا «مجزرة الاتحادية» التى يصرون على إلصاقها بالإخوان رغم سقوط عشرة شهداء وألف وخمسمائة جريح من منهم؟! وبينما تحول هؤلاء الساسة المفلسون إلى «بلاطجة» - بكل معنى الكلمة - تحولت خلية إعلام الفلول إلى «شبيحة» بعد أن تجردوا من أبسط قواعد الضمير المهني، فشاهدنا عادل حمودة يصف ليلة تجمع جحافل صباحى والبرادعى عند بوابة قصر الرئاسة؛ شاهدناه يشرح خريطة «قصر الاتحادية» من الداخل بدءاً من البوابة الرئيسة حتى آخر غرفة فيه، مقدماً شرحاً لمن يحاولون الاقتحام، ولوحة إرشادية تدلهم على ما يريدون دون تعب، ثم يدعى فى رده على الأستاذ عصام سلطان أنه كان يمارس عملاً مهنياً!! بئست المهنة التى تحوِّل صاحبها إلى «شبيح» يوجه البلطجية للاعتداء على رئيس شرعى منتَخَب. ألم نقرأ لإبراهيم عيسى توجيهه لمن يحرقون مقرات الإخوان وحزب «الحرية والعدالة» بالكف عن الحرق، ثم يكتب لهم عناوين م.خيرت الشاطر، ود.محمد البلتاجى ليتوجه نفر منهم بعد ذلك بقليل لمنزل الشاطر فى محاولة للعدوان عليه؟ ثم يقولون: نمارس حرية التعبير وحرية العمل المهني.. أى مهنية غير مهنية الشبيحة؟! وقد أكد حزب د.البرادعى (الدستور) أنه حزب عنف وبلطجة منذ اليوم الأول لإعلان تأسيسه (السبت 28/4/2012م)، فقد حفل التأسيس بهجوم ضارٍ من الأديب العلمانى علاء الأسوانى ضد جماعة الإخوان! ليوحى لمن تابعوا حفل الافتتاح بأن حزبه الجديد لا برنامج له سوى الأسطوانة المشروخة التى يرددها كل المفلسين، وليثبت أن برنامجهم الحقيقى هو الطعن فى جماعة الإخوان المسلمين. حزب لم يجف مداد إعلان تأسيسه يبدأ نشاطه فى الشارع بالبلطجة وتمزيق لافتات مرشح الإخوان فى مدينة المحلة! ثم يتابع مسيرة البلطجة حتى وصل إلى الصورة الفجة التى تابعها العالم خلال الأيام الماضية. وقد جسدت استقالة أ.د. فتحى النادى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» ومساعد رئيس الحزب - قبل أيام - صورة من صور الاحتجاج على حالة «البلطجة» التى تقودها المعارضة، فقد جاءت تلك الاستقالة من حزب «الوفد» احتجاجاً على ما سماه د.النادى «المشاركة فى ما اعتبره اعتداءً صارخاً على الشرعية، ودعوة صريحة لتغيير نظام الحكم بغير الاحتكام إلى صندوق الانتخابات، ومحاولة منع الرئيس المنتَخَب من أن يحتكم إلى الشعب فى ظروف بالغة الصعوبة، ودولة بلا مؤسسات، وعناد ولد فى الخصومة يقامر على مستقبل مصر وشعبها». لقد أصيب القوم بحالة جنون سياسى، فتركوا الحديث عن برامجهم أو تقديم أنفسهم للشعب المصري، وتفرغوا للهجوم على التيار الإسلامى، وصبّ كل مصائب الدنيا عليه وذلك هو الإفلاس! (*) كاتب مصري- مدير تحرير مجلة المجتمع الكويتية