هؤلاء الرافضون لكل سبل الاستقرار، رفضوا نتائج الإعلان الدستورى الأول فى 30 مارس 2011، ورفضوا مجلس الشعب المنتخب فى أول انتخابات نزيهة تشهدها مصر، وكذا رفضوا مجلس الشورى، ورفضوا تشكيل الجمعية التأسيسية الأولى، ثم رفضوا الثانية بعدما وافقوا عليها، واستمروا لخمسة أشهر شركاء فى صناعة مشروع الدستور، ثم رفضوا مشروع الدستور، ورفضوا الإعلانات الدستورية التى صدرت عن رئيس الجمهورية فى إطار سلطاته، ثم أخيرا رفضوا الحوار .. فماذا يريد هؤلاء؟. يسمون أنفسهم (نخبة) وهم ليسوا بنخبة، بل هم مجرد (شلة) لا تذكر، لكنهم يملكون آليات تمكنهم من أن يكون صوتهم عاليا ومسموعا، بل ويخترق الآذان، لتسويق بضاعتهم الرديئة، مثل بائع الروبابيكيا الذى يمسك بمكبر صوت ويطوف كل الشوارع والحارات الضيقة وينادى :بيكيا .. بيكيا، فى حين لا يفعل ذلك بائع الجواهر، فهو على ثقة من بضاعته ويعلم قيمتها وقدرها لدى الجميع. الجمعيات العمومية لأى نادى أو أى نقابة لها قواعد قانونية وأصول عرفية تحكم اجتماعاتها وقراراتها، وأهمها والتى لا يختلف أحد عليها أن يتم الاعلان عن موعدها ومكان انعقادها بالطريقة التى نص عليها قانون تلك الجمعية، وهناك ضرورة على أن يكون الإعلان قبل موعد الانعقاد بوقت كاف حتى ولو كانت طارئة، ولابد أن يكون هذا الإعلان فى صحيفتين يوميتين على الأقل، ولابد أن تتضمن الدعوة للإجتماع جدول أعمال الاجتماع، ولابد أن يكون هناك كشوف مدون فيها أعضاء تلك الجمعية، ويوقع كل عضو بنفسه أمام اسمه بأنه قد حضر، ثم وهو الأهم لابد أن يكتمل النصاب القانونى، ويكون فى أغلب الأحيان ثلثى الأعضاء، فإن لم يحضر هذا العدد يلغى الاجتماع ويتم الإعلان عن موعد آخر يكون فيه النصاب بنسبة أقل، ويتبع فى الاجتماع نفس الإجراءات، ثم يتم مناقشة جدول الأعمال، ثم يتم فى النهاية عرض القرارات على الحضور، وأخذ التصويت على القرارات بطريقة محكمة، وتوثيقها بالكتابة، ثم يوقع الحضور على هذه القرارات. لكننا فى مصر منذ فترة نلاحظ أن أحد النوادى الذى يمثل سلطة هامة فى الدولة، والذى يمثل الواجهة القانونية للمجتمع كله، بمعنى أن يضرب المثل الأعلى فى تطبيق القانون، وجدناه يعلن عن جمعيات عمومية بشكل شبه يومى لا يتحقق فيها ولا شرط قانونى واحد من شروط الانعقاد، بل يتصدر المشهد رجلا حباه الله بصوت جهورى أجش، وحنجرة ذات ترددات عالية، يجمع أصدقاء له من شرائح مختلفة من المجتمع، بل ويجلسهم على المنصة، ويأخذ برأيهم، ثم يعلن ما يعبر عن هواه هو، فى تعدى صارخ على أعضاء الجمعية الحقيقيين، وفى استهزاء كبير بالشعب كله، ويقول على ما يعلنه أنه (قرارات الجمعية العمومية) للنادى الذى أصبح منتدى للمعارضة السياسية، ومقهى يلتقى فيها كل من يريد أن يعلن مناهضته للنظام، رغم أن الدستور والقانون والعرف يؤكد على أن ينأى المنتمون لهذا النادى عن العمل بالسياسة، وإلا فقدوا صلاحيتهم بحكم وظيفتهم ذات الخصوصية، ومع ذلك يستقدم رئيس النادى أشخاصا عليهم علامات استفهام كبيرة، منهم رئيس حزب متهم فى قضايا نصب قدمه على أنه (المستشار) ولا أعرف متى أصبح مستشارا فهو لا ينتمى للأسرة القضائية من بعيد او قريب ولم يسبق له ذلك، ومنهم من قدمه رئيس النادى بلقب (الأستاذ الدكتور) رئيس حزب كذا، وهو أكبر نصاب فى تاريخ مصر، وسبق سجنه من قبل، ومنهم متهمون فى قضايا منظورة أمام النيابة والقضاء، ومع ذلك اعتبرهم رئيس النادى أعضاء فى الجمعية العمومية (جمعية البطاطا) وأعلن بكل فجر قراراته هو على أنها قرارات هذه الجمعية الباذنجانية. وعلى نفس النهج سلكت نقابتان مهنيتان، أعلنت القلة فيهما قرارات تعبر عن رغباتهم، ثم أعلنوها على أنها قرارات جمعية عمومية (!!)، ولو جئت تتقصى الحقيقة ستجد أن الذى تصدر المشهد قلة قليلة، بينهم عامل مشترك واحد، هو الكراهية المطلقة للمشروع الإسلامى الذى بدت ملامحه فى الآفاق، وأذن له الله أن يخرج للوجود، من خلال مخاض عسير قد لا يتم إلا بشق البطن ونزف الدماء، لكن هذه (الشلل) الصغيرة تعمل تحت غطاء إعلامى قوى، يمكنهم من الانتشار والوصول لكل مكان. اختلاق الخلافات والصدامات وأعمال العنف المنظمة قبيل انتخابات مجلس الشعب وقبيل الاستفتاء على الدستور هو جزء من مخطط هدفه تعطيل قيام مؤسسات الدولة الرسمية، ومن ثم بقاء حالة الفوضى التى بدورها تؤدى إلى مزيد من التدهور الاقتصادى وزيادة حالة الاحتقان بين كافة فئات وفصائل اللحمة الوطنية، الأمر الذى قد يؤدى فى النهاية إلى اندلاع حرب أهلية، وبالتالى فإنه لا مجال لتبرئة نوايا هذه الشلل التى سخرت الإعلام لنشر مخططها من تهمة تخريب هذا البلد، وجلهم لهم علاقات وثيقة بجهات أجنبية، فمنهم من يرتبط بإيران وحزب الله، ومنهم من يرتبط باسرائيل، ومن من يرتبط بأمريكا، وجميعهم تحوم حولهم شبهات خطيرة، وإذا احترقت البلد سيحملون حقائبهم ويفرون منها، مثلما تفعل فئران المركب وقت الغرق، يظلوا يأكلون فى خشبها لتنتشر الثقوب فيها من كل ناحية، فتشرف على الغرق، لكن هذه الجرذان تنجح فى الهرب منها قبيل الغرق، وهذا ما تقوم بها عصابات التوك شو، والمناضلون عبر الانترنت، وخدام المال الطائفى. الحكمة الأزلية تقول "ما لايدرك كله لا يترك كله"، ولا يوجد فى الوجود شىء أجمعت عليه البشر، حتى الكتب السماوية، بل وخالق هذا الكون سبحانه تعالى فوق كل شىء، هناك من ينكر وجوده من البشر، وهو الحق المطلق، ومع ذلك لا ينال إجماع البشر؟، فما بالنا بمنتج بشرى، هل سينال رضاء الجميع؟، هذا مستحيل، وأفشل الناس من سعى لإرضاء كل الناس، لأنه ينشد المستحيل، وبالتالى سيحقق فشلا ذريعا ولن ينجح أبدا، وبناء على هذه الثوابت فإننا لا يمكن أن نقر بأن هذا الدستور خال من كل عيب، وأن كل مواده صائبة مائة فى المائة، لكننا لابد أن نقيم المسألة بشكل مجمل، وننظر إلى نسبة ما هو مختلف عليه إلى ما هو متفق عليه، والحمد لله أن هذا الدستور المطروح لاستفتاء المصريين عليه والمؤلف من 236 مادة، لا يوجد خلاف عليه سوى فى حوالى 15 مادة، بما نسبته حوالى 6%، وهناك فرصة لتعديل هذه المواد لاحقا، لأن نصوص هذا الدستور نفسه حددت وسيلة تعديله، فهل الأصلح لمصر الآن أن نوافق عليه ونمضى قدما فى إعادة بناء مؤسسات الدولة لإنقاذها من حالة التدهور الاقتصادى الذى يتهددها؟ أم نسير فى دروب الخلافات والمناقشات السفسطائية ونبقى فى غياهبها سنوات وسنوات حتى نفاجأ بأن الوطن قد ضاع مننا؟. لا وقت للتفكير هنا، فنحن فى مفترق طرق، وفى لحظة حرجة للغاية، وتأجيل القرار أو تأخيره سيغرق السفينة، والشلة الرافضة لكل شىء التى اجتمعت على الباطل، وتتحفنا كل ساعة ب (بيان) وكأننا فى حرب، هى بالفعل تريدها حربا، حربا قذرة ضد استقرار هذا الوطن، وتلعب فى وقت حرج، وفى منطقة خطرة، كالذى يلعب بالنار فوق بئر بنزين أو مخزن بارود، وهذه حماقة تعكس عدم إحساس هؤلاء بالمسئولية، فهم يلعبون بالنار فى المكان وفى الوقت الذى لا يجب أن نطفىء فيه أى شرر، لكنهم بالفعل يقدمون على أفعال انتحارية، ويطبقون مبدأ (علىَ وعلى أعدائى)، خاصة أن أغلب هذه الرموز وكل من يمولوهم، مطلوبون أمام العدالة، وسوف يمثلون أمام جهات التحقيق بعد إعادة بناء مؤسسات الدولة، وتطهيرها من رموز دولة الفساد العميقة، هؤلاء يعيشون معركة حياة أو موت مع النظام الشرعى، مثل المطلوب للعدالة الذى يمسك بالرشاش فى مواجهة كتيبة مسلحة، فهو يعلم يقينا أنه ضائع، فيعمد من حلاوة الروح إلى إطلاق رصاصات سلاحه لا لشجاعة منه، ولا لأنه يحلم بالانتصار، فهو يعلم علم اليقين أن ساعته قد حانت، ولديه بعض رصاصات (مسروقة) فى خزنه سلاحه، فيطلقها ليقال أنه ظل يقاوم حتى آخر لحظة فى عمره، وهذا هو منهج المجرمين فى كل مكان وزمان. هؤلاء كشفوا أنفسهم بأنفسهم، فهم رافضون لكل شىء، ولا يرضيهم أى شىء، ولا يقدمون أى شىء ذا أهمية، ميدانهم الوحيد استديوهات التوك شو، وسلاحهم الوحيد ميكروفونات فضائيات المسيح الدجال، يشعلون الفتن، ويضرمون النار فى الوطن، لكن الشعب العظيم منتبه جدا لمخططهم هذا، وصبر هذا الشعب على وشك النفاذ، وغضبته وانتفاضته القادمة ستكون ضد هؤلاء.