في كتابه " الإسلام وحقوق الإنسان " يشير الدكتور محمد عمارة إلي أن مصر منذ عام 1805 م دخلت عصر النهضة والتنوير تحت قيادة "مجلس الشرع " وهو القيادة الشعبية للأمة منذ الحملة الفرنسية، وأبرز علمائه السيد عمر مكرم . حينما أنعقد "المجلس " في " بيت القاضي " في 12 من مايو 1805 وسط جماهير الشعب الثائرة، والتي بلغ عددها أربعين ألفا وقرر عزل الوالي أحمد خور شيد باشا، وحاصرته وأعوانه في القلعة بل وقتالهم باعتبارهم عصاة لمصلحة الأمة ثم بايع المجلس باسم الشعب " محمد علي "علي شروط الأمة وبعبارة " الجبرتي ":"فلقد تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة علي سيرة العدل..وإقامة الأحكام والشرائع والإقلاع عن المظالم وألا يفعل أمراً إلا بمشورته ومشورة العلماء..وأنه متي خالف الشروط عزلوه". ولقد أطلق المؤرخون علي هذه الوثيقة "وثيقة حقوق الإنسان". وهكذا يقول د. محمد عمارة قدر وقرر " مجلس الشرع " أن " أهل البلد هم مصدر السلطات ". وعرفت مصر أول مجلس نيابي علي عهد الخديو "إسماعيل" عام 1866 ونص القانون إنشائه " أن المجلس يشمل كل المصريين بدون تفرقة وضمنت مجالس عام 1866، 1870 ،1876 من أقباط مصر بجانب إخوانهم المسلمين ، كما أنشئ في مصر أول حزب سياسي عام 1879 سمي " الحزب الوطني الأهلي " وحرص في البند الخامس من برنامجه علي أن ينص :" الحزب الوطني " حزب سياسي لا ديني وأنه مؤلف من رجال مختلفي الاعتقاد والمذهب " وطالب الحزب الخديو بما وعد به من الحكم الشورى وإطلاق عنان حرية المصريين وطالب بالاستقامة ، وحسن السلوك في جميع الأمور ويحذره من الإصغاء إلي الذين يحسنون له الاستبداد . نريد أن نقول : إن التجربة " الليبرالية " المصرية قديمة ، ولا يخلو " تراث" تداول السلطة في مصر من خبرات وممارسات تعكس عراقة التجربة السياسية المصرية ، صحيح أنه حدث انقطاع في التجربة في عقدي الخمسينيات والستينيات والنصف الأول من السبعينيات حرمها من فرصة التواصل والتراكم ومن ثم النضج والوعي بقواعد الممارسة الديمقراطية علي نحو ما هو سائد في أوروبا الآن ، إلا أن تاريخ ميلادها ، وعمرها الطويل "90عاماً " كان كفيلاً رغم هذا الانقطاع " الذي يعد قصيراً بالنظر إلي عمرها الطويل بأن يحدث قفزة واسعة نحو إرساء نظام حكم يمارس نشاطه في كنف رقابة صارمة ومهابة من قبل ما يسمي ب "مؤسسات المجتمع المدني " وتقليص السلطات " شبه المطلقة" للقيادات السياسة ومن ثم حماية المجتمع من مركزية السلطة والقرار التي تجعل مصير الأمة مناطا ب "فرد" أو ب "مؤسسة" واحدة تعرض هيمنتها علي الواقع المصري برمته