يبدو أن ألعاب الطفولة تلعب دورًا كبيرًا فى تشكيل شخصية الطفل التى تلازمه حتى بعد المشيب، فالجيل الذى ينتمى إليه من يسمون بالنخبة الآن، لم تتح لهم ألعاب الكمبيوتر والفيديو جيم وغيرها فى زمانهم، فكانوا يلعبون ألعابًا مثل الاستغماية، وعسكر وحرامية.. ولم تزل آثار تلك الألعاب واضحة فى أدائهم السياسى، خاصة أنهم كانوا فى طفولتهم إذا أقبل أحدهم على فريق مكتمل يلعب بانسجام تام، قال لهم شارطًا ومهددًا: (فيها.. يا أخفيها) يعنى إما أن أكون فى اللعبة وألعب معكم، وإما أن أفسدها عليكم وأخفيها من على وجه الأرض. ويظل ينكد عليهم ويفسد لعبهم بالتدخل غير المسموح حتى يضطروا لأن يشركوه معهم، أو يتكالبوا عليه فيطردوه من بينهم. بهذا المنطق ذاته تتعامل تلك النخبة مع المشهد السياسى الحالى، فلم يطق أى منهم أن يكون خارج القصر الرئاسى، فى الوقت الذى تضخمت فيه ذاته وتورمت، ورأى نفسه أفضل بكثير من الرئيس المنتخب، فما كان منه إلا أن يلعب اللعبة القديمة ليصيح بهستيرية (فيها يا أخفيها). ليس مستغربًا إذن أن تسارع تلك القوى إلى رفض الحوار دون تفكير، لأنهم يريدون محو الآخر وليس التفاهم معه، فمجرد التفاهم معه يتضمن اعترافًا بوجوده، وهذا ما لا يطيقونه، والذين يرفضون الحوار هم بالتالى مستعدون لأن يتقبلوا الدمار، والذين يرفضون الاحتكام إلى صناديق الاستفتاء، هم بالتالى يريدون أن يحولوها إلى حرب شوارع، حتى يتم فرض الرأى بالقوة والقهر. إننى لا أفهم منطق رفض الاحتكام إلى الصناديق إلا من باب التعالى على الإرادة الشعبية، أو الرغبة فى استمرار الفوضى الهدامة حتى لا يتقدم الوطن خطوة للأمام، ولا يصب ذلك إلا فى مصلحة قوى خارجية، ويستحيل أن يتوافق عليه مصرى قلق على مصير بلده ومستقبل أبنائه. ولعل قرب العهد بثورة يناير ومشاهدها المحفوظة حتى تخلى الرئيس مبارك عن مسئولياته، أغرى العديد من الذين يفكرون تفكيرًا صبيانيًّا، فظنوا أنه يمكن تكراره مع نظام منتخب لم يمر على توليه المسئولية سوى أقل من ستة أشهر، ولكن مبدأ (فيها.. يا أخفيها) أعماهم عن التفكير الرشيد، والذى يستوجب على صاحبه أن يدرك شرعية الرئيس المنتخب التى تضع على عاتقه المسئولية كاملة فى هذه المرحلة، وبالتالى تستوجب على المواطنين أن يمنحوه الفرصة كاملة فى إدارة البلاد، وليس هناك أبدًا ما يبيح لمخالفيه فى الرأى أن يتعاملوا معه بالندية، خاصة ونواياهم مشكوك فيها، وأهدافهم واضحة وضوح الشمس من تصريحاتهم وحواراتهم الخاصة والعامة. لقد صارت المبالغة فى ردود الأفعال كاشفة وفاضحة لأصحابها، فمهما اختلفنا حول الإعلان الدستورى الأخير، أو بعض بنود الدستور ذاته، فلا أعتقد أن ذلك يستوجب تحريك المعارضين وتمويلهم وحشدهم معنويا للإحاطة بقصور الرئاسة، والهتافات غير المنطقية التى تطالب برحيل الرئيس، بل وإسقاط نظامه من قبل أن يتكون له نظام. ومن المتناقضات أن تجد بعض هذه النخب -كما يحبون أن يصفوا أنفسهم- يتهمون جماعة الإخوان المسلمين بأنهم يمتلكون مليشيات مسلحة، فى الوقت الذى تُحرق فيه مقراتهم، ويستشهد فيه شبابهم واحد تلو الآخر. فهل نصدق ألسنتهم المتطاولة بالاتهامات المرسلة، ونكذب ألسنة النيران والدماء السائلة..؟! إن الذين يعيثون فى الوطن اليوم فسادًا، ويجمعون الكارهين للإخوان المسلمين فى محاولة فاشلة -بإذن الله تعالى- لإسقاط الرئيس المنتخب، ويدعون أنهم يدافعون عن الديمقراطية والحرية؛ عليهم أن يدركوا أنهم بقدر نجاحهم فى حشد الكارهين فهم فى الوقت ذاته يجنون كراهية أخرى لهم من قطاع كبير من الشعب، فكأنهم يخلعون رئيسًا شرعيًّا، وينتحرون هم سياسيًّا. [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]