"العراق هو الهدف التكتيكي والسعودية هدف استراتيجي أما الجائزة الكبرى فهي مصر".. هذه المقولة الشهيرة لريتشارد بيرل كبير مستشاري وزارة الدفاع الأمريكية سابقًا والملقب بأمير الظلام استحوذت على تفكيري وأنا أتابع المشهد العبثي الذي تشهده الساحة المصرية منذ أسابيع. فالخطة التي وضعها صانعو القرار في إدارة الرئيس بوش الابن لتفكيك خريطة المنطقة وإعادة رسمها من جديد ضمن ما سموه الشرق الأوسط الجديد تسير حتى الآن نحو تحقيق أهدافها بصورة متسارعة. فمنذ اندلاع ثورة الخامس والعشرين من يناير قبل نحو عامين لم تشهد مصر فترة استقرار تعيد لملمة الشتات المتبعثر الذي خلفه نظام الرئيس المخلوع حسني مبارك.. وأستطيع هنا أن أجزم - من خلال قراءتي للتطورات التي عاشتها مصر منذ رحيل مبارك - أن تصدر تيار الإسلام السياسي متمثلًا في جماعة الإخوان المسلمين والقوى السلفية للمشهد السياسي المصري كان مقصودًا ومتعمدًا لتسريع وتيرة وصول مخطط بيرل وأعوانه من صقور المحافظين الجدد إلى جائزته الكبرى.. فتصدر ذلك التيار للساحة السياسية المصرية سيستفز بالضرورة قوى وجهات دولية وإقليمية بل وداخل مصر لكي تعمل جاهدة على ليس فقط إفشاله ولكن في المقام الأول إفقاده رصيده الجماهيري الذي يستمده من شعب متدين بطبيعته.. فلا تقوم بعد ذلك لهذا التيار قائمة تمكنه من مقاومة ما هو قادم من سيناريوهات مرعبة تنتظر البلاد. ولعل المتأمل لتطورات المشهد السياسي -منذ نجاح التيار الإسلامي في الحصول على غالبية برلمانية كاسحة في أول تجربة ديمقراطية حقيقية تشهدها مصر في تاريخها المعاصر تم إجهاضها بعد أربعة أشهر فقط - سيصل إلى قناعة تامة بأن المخطط يسير نحو هدفه. وتلك القناعة تتجذر وتترسخ لدى كل متابع للتطورات اللاحقة والتي كان أبرزها فوز الدكتور محمد مرسي مرشح التيار الإسلامي في أول انتخابات رئاسية نزيهة تشهدها البلاد ليصبح أول رئيس منتخب منذ ستين عامًا. تلك النتيجة أصابت دوائر دولية وإقليمية وأيضًا داخلية بالصدمة ولكنها سرعان ما استفاقت واستجمعت قواها لتعمل من أجل إسقاطه لينال نفس مصير البرلمان. فعاشت البلاد منذ ذلك التاريخ أزمات غالبيتها مفتعل وأصبح الرئيس يواجه حربًا ضروسًا مستندة إلى آلة إعلامية تحاول يوميًا غسل عقول المشاهدين دون أدنى اعتبار لأبسط القواعد المهنية. ولم يشفع للرئيس لدى معارضيه نجاحه رغم كل المعوقات في إبعاد العسكر عن المشهد السياسي المصري لأول مرة منذ ستين عامًا. ولعل المعركة الدائرة حاليًا بشأن الإعلان الدستوري ثم مشروع الدستور المزمع الاستفتاء عليه بعد أيام خير دليل على ما يدبر في الخفاء. فيمكن لأي مراقب محايد متابع لتفاصيل تلك المعركة أن يكتشف لأول وهلة أنها معركة وهمية تهدف إلى إشاعة الفوضى والإيهام بانقسام الشارع المصري إلى معسكرين. ويصبح الحل السحري لدى مخططي تلك المعركة وهو إبعاد الرئيس عن المشهد لتعود الأمور إلى نقطة الصفر.. وبالتالي يمكن القول بكل وضوح إنها ليست معركة أو خلاف على إعلان دستوري أو بعض مواد الدستور كما يشاع ولكنها معركة على مستقبل ومصير مصر".