لقد لخص لي أحد الأحباب من مؤيدي التيارات المدنية المحنة السياسية التي وضعنا فيها الساسة من الطرفين بسبب انتهازيتهم وضعف حنكتهم السياسية، إذ قال لي (إن الذين يذهبون لحصار القصر الجمهوري ثوار أحرار، لا تظن أن البرادعي أو صباحي يستطيع أن يطلب منهم الرجوع، وإلا لشتموهما) !!. هذا يدل على وبال الالتجاء للشارع إلا كحل أخير الغرض منه كسر الخصم، إن السياسي أدواته الحقيقية هي وسائل التواصل والتعامل والإقناع، والتفاوض والمناقشات والمقابلات، وطرح أوراق عمل وبيانات تفصيلية تعبر عن رأيه ورأي حزبه بوضوح وتفصيليًا في الأمور السياسية المطروحة، والتواصل مع الجماهير بشأنها، فإذا فرغ كل ما في جعبته ولم يبق أمامه إلا استخدام الشارع فيجب أن يكون هذا معناه أن كل وسائله السياسية قد نفدت. لكن بعض الساسة في مصر-من الطرفين- قرر أن يستسهل ويستخدم الشارع ورقة ضغط، ويظن أنه يستطيع أن يضمها إلى غيره من أوراق الضغط، وينسى أن الشارع ورقة مختلفة تمامًا بل لعبة مختلفة تمامًا وليست ورقة في لعبة أخرى، إن للشارع قوانينه، وعندما (تسخن) الجماهير، فإن السياسي ليس فقط يفقد السيطرة- إما جزئيًا أو كليًا- على حركتها وردود أفعالها، بل أخطر من ذلك، أنه في أغلب الأحيان يقع أسيرًا لها، ويضطر للمزايدة والانسياق وراءها في مطالبها المتصاعدة ولو كانت غير سياسية، خشية أن يفقد شعبيته عندها أو أن يركب موجتها سياسي آخر أكثر مزايدة، ولعل جملة صاحبي التي افتتحت بها معبرة في هذا السياق، فالذين حشدوا في الشارع قد لا يستطيعون إيقاف هذا الحشد والرجوع للطاولة في لحظة ما، تمامًا مثل السائق الذي يستطيع الانطلاق بسيارته بسرعة عبر منحدر هابط، لكنه- خاصة إذا كان الفرامل لا تعمل جيدًا أو أن الأرض زلقة- قد لا يكون بإمكانه بسهولة التحكم فيها. ورغم أنني أرى أن كرة الثلج بدأت يوم اجترأت المحكمة الدستورية العليا على الانقضاض على سلطة أخرى هي المجلس التشريعي المنتخب الذي شارك 31 مليون مصري في انتخابه، وقامت بحله بالكامل، وشمتت النخبة السياسية التي لم تنجح في تلك الانتخابات وصمتت عن هذا التغول من سلطة تجاه سلطة أخرى، وهو ما أدى إلى معظم التداعيات اللاحقة، إلا أنني لا أعفي رئيس البلاد من مسؤولية قراراته الأحادية التي اتضح أن كثيرًا من مستشاريه لم يعلموا بها-ناهيك عن الساسة المعارضين- فزاد بذلك من انحدار كرة الثلج. وبدلًا من أن يحاول الساسة المعارضون استخدام الوسائل السياسية والتحدث مع الرئيس والأطراف السياسية المخالفة إذا بهم يعتمدون أسلوب الانسحاب والتحدي، فهم قبلها انسحبوا من اللجنة التأسيسية في محاولة لإسقاطها ونزع شرعيتها، وكانوا من قبل شاركوا في معظم أعمالها ووافقوا ومضوا على نصوصها، وفي الأزمة الأخيرة رفعوا شعار (لا مفاوضات إلا بعد الإلغاء)، يضاهئون شعار الحزب الوطني القديم حزب مصطفى كامل (لا مفاوضات إلا بعد الجلاء)، ولكن أين الثرى من الثريا، وأين هؤلاء من مصطفى كامل، وكذلك ليس الرئيس المنتخب - ولو أخطأ - كاللورد كرومر، وهكذا انسدت القنوات السياسية، واحتكم الجميع إلى الشارع. وأصبحت الصورة أشبه بالوضع اللبناني في آذار (مارس) 2005، حشدت القوى الموالية للحكومة مظاهرة حاشدة في دعم الحكومة وتكريم القوات السورية في لبنان يوم 8 آذار 2005، وفرحوا بتلك الحشود، وأسموا أنفسهم قوى الثامن من آذار!!، وما زالت هذه التسمية يستخدمونها للتعبير عن القوى المشارك فيها حزب الله (كانوا يسمونهم: الموالاة، واللبنانيون ينطقونها بالتاء المفتوحة: الموالات)، وبعدها بأسبوع حشدت القوى المعارضة حشدًا يماثله أو أكبر منه يوم 14 آذار، وفرحوا بحشدهم وأسموا أنفسهم قوى الرابع عشر من آذار!!. وبعد سبع سنوات مازلت تلك المصطلحات مستخدمة، ومازال الانقسام يقوده الشارع، ووصلت لمصادمات دموية بعدها بعامين سقط فيها عشرات القتلى، فماذا تفعلون يا ساسة مصر، ماذا تفعلون ؟!!، تنقلون الصراع للشارع وتحشدون وتستكثرون حشدكم، لن يكون اسمكم بعدها قوى إسلامية أو ليبرالية، قد تتحولون لقوى الأول من يناير يوم حشد الإسلاميين (قوى الأول من كانون الأول)!!، والقوى الليبرالية تضع السياسة جانبًا وتتحول لقوى (الرابع من كانون لأول)!!....... وكل حزب بما لديهم فرحون! [email protected]