الذي يثير الالتفات فيمن تقدموا بأوراقهم إلي اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية ليتنافسوا علي منصب الرئيس سواء أكانوا أحزابا أم مستقلين هو هشاشة الأحزاب السياسية المصرية ، فحزب الأحرار تقدم ممثلا له أكثر من مرشح ، وحزب العمل الاشتراكي تقدم ممثلا له أكثر من مرشح ، وحزب مصر العربي الاشتراكي تقدم ممثلا له أكثر من مرشح ، وحزب الشعب الديموقراطي تقدم ممثلا له أكثر من مرشح ، وحزب مصر الفتاة تقدم ممثلا له أكثر من مرشح ، وحزب العدالة الاجتماعية تقدم ممثلا له أكثر من مرشح ، وهو مايعني أن الحياة الحزبية المصرية تحولت إلي مايشبه السيرك السياسي الذي يثير الإشفاق والدهشة أكثر مما يبعث علي الاحترام والجدية . فنحن أمام أحزاب سياسية ضعيفة ومفتتة ، يتصارع عليها متنافسون فيما بينهم أكثر من تنافسهم مع الأحزاب الأخري ، والمتنافسون علي رئاسة هذه الأحزاب هم أشخاص لا يهمهم الصالح العام أكثر من اهتمامهم بمصالحهم الخاصة ، وهم يتحاكمون إلي الحزب الوطني أكثر من احتكامهم إلي المؤسسات الحزبية الداخلية التي تعتمد القرارات الحزبية الكبري ، والعلاقة بينهم وبين أجهزة الأمن سمن علي عسل وهم يسارعون في طاعة ما يتفضل به رؤساء هذه الأجهزة من أوامر ، وإذا ذهبت تحاول التعرف علي أعداد المنتسبين إليها فلن تجد شيئا ، وستجد هناك فقط الصراعات والشكاوي الكيدية ، والعبث السياسي الذي يعكس الاتجار في الممنوع السياسي واللعب به . والجريمة الكبري للحزب الوطني الديموقراطي في عهد مبارك هو أنه أراد أن يختار منافسيه ، ويقرر الشكل الداخلي للأحزاب السياسية ، ويحدد من يكون في اللجان التنفيذية ، واللجان العليا ، والمكاتب السياسية ، والمكاتب التنفيذية ويكون علي علم مسبق بتوجهات هذه الأحزاب وبقراراتها عن طريق خلق عملاء ومخبرين داخلها ، بحيث يكون آمنا مطمئنا علي أنه لا توجد أحزاب حقيقية وإنما فقط أحزاب شكلية ورقية تجمل الديكور الذي يسيطر عليه الحزب الوطني ، بحيث أننا لا زلنا في مصر نعيش فترة الحزب الواحد التي كانت سمة للنظم الأفريقية بعد الاستقلال في الستينيات . وعلي سبيل المثال فإن أي حزب حاول أن يكون قراره من دماغه ولا يخضع لضغوط الحزب الوطني فإنه قد أغلق بالضبة والمفتاح وسل حزب العمل ولا ينبئك مثل خبير ، فحزب العمل الذي تحول إلي التوجه الإسلامي ، وأصبح لديه مؤسساته القوية وديموقراطيته الداخلية المتينة استعصي علي اختراق الوطني له ، وهنا كانت المطرقة غير القانونية وهي لجنة الأحزاب التي حاولت كسر عظام الحزب وتجميده وإغلاق جريدة الشعب الناطقة بلسانه وتشريد أكثر من سبعين صحفيا لا يمارسون حقهم في أداء مهنتهم . ولا يزال الحزب الوطني الذي خرب الحياة السياسية مدعوما بسلطة الإدارة في الدولة المصرية الكبيرة هو الذي يمسك بزمام الحياة السياسية والحزبية ومعه تجارب الدهاء البيروقراطي وإمكانيات الدولة المصرية ، فهو من أثر علي قرار الوفد الجديد لدخول الانتخابات الرئاسية حتي يكون لها معني تنافسي من ناحية وحتي يخصم من الكتلة الليبرالية التي كانت ستصوت لحزب الغد . إن أكبر مهمة تقع علي عاتق النشطاء السياسيين الذين ينادون بالإصلاح السياسي هي كيف نحرر الدولة المصرية والإدارة المصرية من قبضة الحزب الوطني الذي يسيطر علي مقدرات الدولة بالكامل بدءا من الإعلام وحتي النوادي ومراكزالشباب الرياضية ، فالوزارات المصرية السيادية وغيرها تأتمر بقرارات الحزب الوطني لأن الرئيس المصري هو رئيسه رغم أنه غير منتخب ورغم أن النواب الذين يمثلون الحزب الوطني جاءوا بالتزوير ، إننا أمام انتخابات رئاسية قادمة نرجو أن لا يكون شخص واحد فقط هو الذي يلعب والآخرون مجرد استكمال للديكور ، أو أن يكون هذا الشخص هو الذي يختار من ينافسه أو يلاعبه بشرط أن ينهزم أمامه .