ربما تقرأ هذا المقال وقد تحدد موعد الاستفتاء على الدستور الجديد، الذي يُعدّ بحقّ أفضل دستاتير مصر الحديثة. ولكن تأبى الأحداث إلا أن تجعل من الإشراف القضائي شوكة في الحلق، وذلك بعد أن ألمحوا إلى عدم إشرافهم على الاستفتاء على الدستور. المشكلة أنه في كل الحالات سواءً أشرفوا أم لم يشرفوا فقد اتضح أن كثيرًا منهم ضد انتقال مصر إلى حالة الاستقرار والشرعية ما دامت لم تأتِ على هواهم ولم تحفظ للفاسدين منهم حساباتهم الخاصة. وقد كنا نراهن على أن يُطهر القضاء نفسه بنفسه، ولكن يبدو أن عدد النزهاء بداخله أقل مما كنا نتوقع بكثير. فكيف يؤتمن على صندوق الاستفتاء قاضٍ جعل من نفسه خصمًا وحَكمًا، وكيف يؤتمن على الصندوق القاضي الذي يرى في هذا الصندوق دلالة على هزيمته في معركة لم تكن معركته، ولكن الفاسدين من داخل مؤسسة القضاء وخارجها أبوا إلا أن يجعلوها معركته؟ كيف يؤتمن على الصندوق القاضي الذي لم يجد أي صعوبة في الوصول إلى منصبه رغم الخمسين في المائة التي نجح بها في الثانوية ورغم (المقبول) الذي نجح به الكلية لا لشيءٍ إلا لأن معه واسطة وتوصية من (فلانٍ) الذي ما وصل إلى منصبه هو الآخر إلا بالفساد؟ كيف يؤتمن من حاله هكذا وهو يرى دستورًا يُعلي من قيم العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص ونزاهة اليد، بمعنى أنه قد يجد نفسه وأبناءه من بعده في طبقة اجتماعية غير الطبقة التي كان الفساد يرشحه ليكون أحد ألمع رجالها؟ كيف يؤتمن وهو يعلم أنه بمواهبه المتواضعة قد يجد نفسه في ذيل قائمة زملائه الذين كان يكلمهم من عليائه ذات يومٍ قريب؟ في القضاء ينص القانون على تنحية القاضي عن نظر القضية لأدنى شبهة شخصية، ويجوز للمتهم ردّ المحكمة لهذا السبب، فكيف نترك القضاة مع الصناديق التي نُصبت للاستفتاء رغمًا عنهم؟ وفي الانتخابات؛ يكون الأمر هيّنًا ومحكومًا لأن كلّ مرشح مسموحٌ له بتفويض مندوبٍ عنه لحضور أعمال لجان التصويت من الألف للياء، فهل سيكون هناك مندوبون في لجان الاستفتاء عن الشعب الذي فقد جزءًا كبيرًا من ثقته في القضاء؟ أتحدث عن نفسي – والعهدة عليّ – إنّ بعض من أعرف من القضاة لن يتورَّع عن فعل أي شيءٍ مع الصندوق إن وجد ربع فرصة سانحة أمامه لذلك. أمامنا سيناريوهان: الأول: أن يظل عموم القضاة على رفضهم الإشراف على الاستفتاء وساعتها يجب علينا وعلى الرئيس أن يقول: (بركة يا محكمة اللي جات منك) ويصدر إعلانًا دستوريًّا بتكليف السادة أعضاء هيئة التدريس بالإشراف على الانتخابات، وقد ألمح معظمهم إلى استعدادهم لذلك، وبدون أي مقابل، والحمد لله فجامعاتنا – على ما فيها هي الأخرى من فساد – ما زالت مليئة بالشرفاء من العلماء المؤهلين لكبريات الأمور، ولن يُعجزهم – بإذن الله – أن يخرجوا بالاستفتاء إلى بر الأمان. أما السيناريو الثاني؛ فهو موافقة القضاة على الإشراف على الاستفتاء، وساعتها يجب على وزارة العدل استبعاد القضاة المشبوهين من الفاسدين ومن الذين ارتضوا لأنفسهم أن يزجوا بمنصاتهم الطاهرة في مناصرة تيّارات سياسية بعينها، ضاربين بالحياد والعدالة عُرض الحائط.