الثورة حالة استثنائية فى تاريخ الشعوب، إنها تثور على أوضاع قائمة وبالتالى يجب ان تخرج على هذه الأوضاع بما فيها القوانين والقواعد التى شرعت فى ظل النظام الذى ثار عليه الشعب، ولذلك اتفق على اصطلاح "الشرعية الثورية" كسند قانونى وشرعى لتقبل كل ما يصدر عن الثورة، وإلا فلا تعد ثورة. الذين يعارضون قرارات الرئيس محمد مرسى (الثورية)، غير منزهون عن الهوى، وشهاداتهم مجروحة، لأنهم أصحاب مصالح خاصة، وبالتالى فلا يجوز أن يكونوا ممثلين عن الشعب. أصحاب الصوت العالى الذين يعارضون ما صدر من قرارات عن الرئيس مرسى، يضللون الناس عن جهل أو بالكذب، حينما يقولون بالصوت العالى أنه لم يحدث فى التاريخ أن صدرت قرارات محصنة لا تخضع لرقابة القضاء، رغم أن أول من ابتدع هذه "الشرعية" كان جمال عبدالناصر، حيث نصت المادة 191 من دستور 1956 على: (جميع القرارات التى صدرت من مجلس قيادة الثورة، وجميع القوانين والقرارات التى تتصل بها وصدرت مكملة أو منفذة لها، وكذلك كل ما صدر من الهيئات التى أمر المجلس المذكور بتشكيلها من قرارات أو أحكام، وجميع الإجراءات والأعمال والتصرفات التى صدرت من هذه الهيئات أو من هيئة أخرى من الهيئات التى أنشئت بقصد حماية الثورة ونظام الحكم لا يجوز الطعن فيها أو المطالبة بإلغائها أو التعويض عنها بأى وجه من الوجوه وأمام أية هيئة كانت). فالرئيس عبد الناصر كان له السبق فى تحصين كل قراراته، وليس بشكل مؤقت لمدة عدة أسابيع، وليس بشكل محدد ينصرف لأنواع معينة من القرارات ذات الطبيعة السيادية، بل كان التحصين من خلال دستور دائم، وبشكل مطلق ينصرف إلى كل القرارات، ومع ذلك تناسى أصحاب الصوت العالى هذه الحقائق. الناصريون الذين يتباكون على (حرمة) القضاء نسوا أو تناسوا واقعة ضرب الدكتور السنهوري باشا بالجزمة، حين قامت جماعات مناصرة لجمال عبد الناصر باقتحام مجلس الدولة واعتدت على رئيسه ومؤسسه الفقيه الدستوري الكبير والعلامة الدكتور عبد الرازق السنهوري بالضرب بالأحذية، فى مقر عمله بمجلس الدولة، على يد الضابط سعد زايد من الضباط ثورة يوليو والذى أصبح بعدها محافظا للقاهرة مكافأة على ضربه قاضى قضاة مصر ومفخرة التاريخ القانونى لهذا البلد. عبدالناصر أمم الشركات والمصانع وسط صخب وتهليل إعلامى وشعبى لا سابق له، وأمم الصحافة واستولى على مؤسسات صحفية خاصة بعد حادثة القبض على السفاح محمود سليمان عام 1960، الذى روع مصر وقتها، وكتبت الأخبار عنوان الخبر: "القبض على السفاح"، وكان العنوان التالى فى السطر الأسفل: "عبدالناصر فى باكستان"، فاعتبر ذلك تشهيرا به وإهانه له، فأصدر قرارات تأميم الصحافة،التى استولى بموجبها على كل الصحف الخاصة بمؤسساتها ومطابعها، وزرع فى كل صحيفة "رقيب" من ضباط الثورة، ومع ذلك فمازال هو الزعيم الملهم. هذا عن الناصريين، أما فصائل اليسار وأيتام الشيوعية، فإن مرجعيتهم الكبرى هى الثورة البلشفية، فكل إنجازاتها وقراراتها وتعليمات قادتها هى قرآنهم وسنتهم التى يتعبدون بها فى محرابها النجس، فهى الثورة التى شرعت الديكتاتورية لأول مرة فى التاريخ، ورفت شعار "ديكتاتورية البروليتاريا"، وارتكبت المذابح والجرائم التى يندى لها جبين البشرية، من سطو وسلب ونهب وقتل وترويع، ليس هذا فحسب، بل فى مجال نظام الحكم وإدارة شئون الدولة، أجريت في 12 نوفمبر عام 1917 انتخابات الجمعية التأسيسية (البرلمان الروسى وقتها)، لكن الحزب البلشفي لم يحصل فيها على أغلبية الاصوات كما عول على ذلك، وبعد رفض نواب البرلمان إقرار المراسيم الصادرة عن الحكومة البلشفية، تم حل الجمعية التأسيسية بالقوة في يناير عام 1918، الأمر الذي أثار احتجاج القوى الديمقراطية في البلاد، لكن البلاشفة أمروا بإطلاق النيران على المظاهرة السلمية مما أدى الى مقتل العشرات وإصابة المئات. ولا بد أن معتنقى الفكر الماركسى من أمثال رفعت السعيد وأعضاء حزبه وهم عشرات، يحفظون عن ظهر قلب تاريخ هذه الثورة. هذا عن الناصريون والشيوعيون، أما الليبراليون ويمثلهم حرب الوفد فإن تاريخه فى مهادنة المستعمر الانجليزى، وحادث 4 فبراير 1942 يكتب له أقبح سيرة يندى لها جبين البشر، حينما حاصرت دبابات المحتل الانجليزى القصر الملكى وأجبرت الملك فاروق على أن يتولى النحاس باشا رئيس الوفد تشكيل الحكومة المصرية، لأنهم حليفهم الذى وقع معهم معاهدة التحالف المخزى عام 1936، واقرأوا الكتاب الأسود لمكرم عبيد باشا حتى تعرفوا فضائح سراج الدين والنحاس باشا، ومن قبل نشرت هنا حقائق دامغة عن سعد زغلول الذى تبنى نشر الدعوة للسفور، وكيف انه كان يقضى وقته على موائد القمار وبارات الخمور، وكانت السياسة بالنسبة له نوعا من الترف. بقى من الفصائل المعارضة لقرارات الرئيس "الكنيسة المصرية"، وهى منذ بداية سبعينيات القرن العشرين مع تولى رئاستها "المتنيح" البابا شنودة وهى تتبنى سياسة انفصالية عن الشعب، وتعادى بشدة الأغلبية المسلمة من أهل مصر وأصحاب هذا الوطن. أما عن ما يسمون ب "الرموز" الذين يقودون هذا الصخب، فكلهم وبلا استثناء على رؤوسهم بطحات، وهم إما من فلول النظام السابق أو من أصحاب المصالح الخاصة وأصحاب الأجندات المشبوهة، فمنهم أصحاب سوابق، ومنهم من تحوم حوله الشبهات، وأنشر هنا ما كشفه الكاتب الصحفي عبد الباري عطوان رئيس تحرير صحيفة "القدس العربي" في حوار له علي فضائية الحوار عن تقارير مخابراتيه تناولها موقع "والا " الإخباري الصهيوني عن لقاء سري جمع وزيرة الخارجية الصهيونية السابقة "تسيبي ليفني" مع عمرو موسي في توقيت زيارته المفاجئة لرام الله يوم الأحد 4 نوفمبر 2012- أي قبل العدوان الصهيوني علي غزة بأسبوعين وتناولت التقارير أن ليفني طالبت عمرو موسي بشكل مباشر بإرباك الرئيس المصري محمد مرسي في هذه الفترة بالمشاكل الداخلية، وهو ما حدث بالفعل حيث عاد عمرو موسي من زيارته ليقود الإنسحابات من الجمعية التأسيسية للدستور بدون أسباب مقنعة للرأي العام لدرجة أنه اصطنع مشادة مع رئيس الجمعية التأسيسة المستشار الغرياني شيخ قضاة مصر واعترض علي مواد بالدستور كان هو نفسه من اقترحها وشغل الرأي العام وبرامج التوك شو بانسحابات التأسيسية وصعد من هجومه علي الرئيس مرسي مع تصاعد الهجوم علي غزة، وكان الأجدر بالأمين العام السابق لجامعة الدول العربية أن يكون له دور في وقف العدوان علي غزة لا أن يستعمل كأداة للتغطية علي ضرب غزة وإرباك الرئيس المصري لشل حركته و شغله بقضية مصطنعة. ويضيف عبد الباري عطوان: هذه التقارير تتفق مع ما قاله "بنحاس عنباري" الخبير الصهيوني في شئون الشرق الأوسط في مقابلة مع "روسيا اليوم" أن الرئيس المصري محمد مرسى افشل العملية الصهيونية في غزة قبل ان تبدأ وكنا نعول علي قوى داخلية في مصر بإشغالة بالشأن الداخلى السياسى والاقتصادى. ومن بين الرموز التى تقود هذا الصخب المدعو محمد البرادعى، وهو رجل تربى فى أحضان الغرب الذى كافأه بجائزة نوبل والتى لا يحصل عليها إلا كل من نال رضاء الصهيونية العالمية، فالبرداعى يقول فى حوار له مع مجلة "دير شبيجل" الألمانية أنه انسحب من الجمعية التأسيسية لإعداد الدستور لأن بعض أعضائها يشكك فى "الهولوكوست"، وهذا التصريح كفيل بأن تنزع عن البرادعى هويته المصرية، وهويته العربية، لأن "الهولوكوست" من صنع الميديا الصهيونية، إذ زعم اليهود أن الألمان فى عهد هتلر تعرضوا لمذابح جماعية، وعلى ضوء هذه الأكاذيب حقق اليهود مكاسب رهيبة منها حصولهم على فلسطين لتكون وطنا لهم، وهى أكاذيب شان كل أساطير المؤسسة الصهيونية العالمية، لكن البرادعى أكد لليهود تعاطفه المطلق مع قضيتهم الباطلة، متوهما أنه بذلك سينال الدعم الغربى الذى يمكنه من حكم مصر، متناسيا أن مصر عادت لشعبها، ولن يجلس على عرشها أحدا بغير اختيار هذا الشعب الأبى. إذن كل القوى، وكل الرموز التى ترتدى ثوب البطولة الآن، تحت مظلة إعلامية رهيبة، جميعم من أصحاب السير المشينة، وأياديهم ملوثة بدماء هذا الشعب، ويخافون أن تنجح الثورة فيدخلون فى دوامة المساءلة ثم العقاب على ما اقترفت أيديهم من جرائم فى حق هذا الوطن. مصر تعيش حالة فوران ثورى، وثورتها المباركة على المحك الآن، وإذا لم يفطن الشعب إلى حقيقة المؤامرة التى تحاك له الآن لوأد ثورته وإعادة النظام الفاسد المجرم لحكمه، فإن مصر قد تسقط فى أتون حرب أهلية تحرق الأخضر واليابس. [email protected]