الذين يتحدثون اليوم عن الشرعية ودولة القانون، هم الذين سعوا لحل مجلس الشعب المنتخب من جموع المصريين، وكانوا يحفرون باسنانهم وايديهم حتى يلقي مجلس الشورى هو والجمعية التأسيسية نفس المصير، وهم أنفسهم الذين يولولون اليوم بأن كل السلطات اصبحت في يد الرئيس، في الوقت الذي لم تؤد فيه افعالهم المتدثرة بغطاء القضاء واحكام المحاكم إلا الى انفراد الرئيس بالسلطة. يهاجمون الحكم الفردي وكل افعالهم لا تؤدي إلا إلى دعمه، كرها ونكاية لحزب وجماعة لم يستولوا على السلطة كما يدعي البعض ولكن جاءوا بانتخابات حرة، في حين لم تستطع النخب اليسارية والناصرية وغيرها ممن يسمون أنفسهم بالتيار المدني أن يقنعوا الجماهير ببرامجهم، فسقطوا في امتحان الشعب، لقد ظنت هذه النخب انها اذا تخلصت من كل المؤسسات التشريعية التي جاء بها الشعب عبر صناديق الانتخاب (شعب وشورى وجمعية تأسيسية انتخبها البرلمان) يصبح من السهل "الاستفراد" بالرئيس والانقلاب عليه. إن من يحاولون عرقلة خروج الدستور للنور وتصويت الشعب هم من يصنعون هتلر جديدا أو موسوليني آخر كما قال الدكتور محمد محسوب وزير الشئون القانونية والمجالس النيابية. هم الفاشيون حقا، لانهم اليوم يدافعون عن النائب العام السابق، بينما كانوا يبصمون بالعشرة بأنه وراء عدم القصاص لقتلة الثوار حتى الآن ووراء هروب مساعدي العادلي الستة واشرار موقعة الجمل من يد العدالة وبالتالي استمرار الكثير من رموز النظام الفاسد يرتعون ويفسدون في الارض، حيث كان المستشار عبدالمجيد محمود يقضي بدفن قضايا معينة في أدراجه وتحريك أخرى على نفس النهج الذي كان يسير عليه زمن مبارك، وكان بالتالي سيف المخلوع وذهبه قبل الخلع وبعده، وهكذا كان يرفع أقواما هم قوى الثورة المضادة، ويخسف بأخرى ظهيرة للثورة. وظل سيف الاتهام معلقا على الدكتور محمد مرسي وهو انه يتصرف بنفس طريقة مبارك ويعمل برجاله، فإذا جاء رئيس الجمهورية لينهج نهجا ثوريا يضمن به القصاص العادل لقتلة الثوار، واطاح برجال مبارك وطريقة ادارته للحكم، انقلب من يسمون انفسهم بالنخبة على أعقابهم. لقد مد الرئيس مرسي يده الى الجميع وعقد لقاءات مع مختلف القوى السياسية، واستمع لآراء حتى اشد الناس عداوة له، وكانوا يخرجون من اللقاءات يشيدون بحرص الرئيس على التوافق، لكن ما أن يأتي الليل وتدور كاميرات برامج التوك شو، حتى تسمع لغة اخرى لا تخرج عن الاستهزاء والسخرية والتسفيه من قرارات الرئيس. ويجب ألا ينسى احد ان جميع ادبيات الحقبة الناصرية، ظلت حتى اليوم تمجد محاكمات الثورة وتشيد بالشرعية الثورية التي ضربت عرض الحائط في بداية ثورة يوليو 1952 بالقانون والدستور، رغم ان الرئيس عبدالناصر، لم يكن رئيسا منتخبا، انتخابا حرا مباشرا، لأن مصر لم تذق هذا النوع من الانتخابات إلا بعد ثورة 25 يناير، فلماذا يأتي الناصريون اليوم ليقولوا إن الإعلان الدستوري الذي اصدره الرئيس مرسي - المنتخب من الشعب، وصاحب الشرعية الوحيدة اليوم في مصر - هو طعنة لدولة القانون. ومع ذلك نريد من الرئيس مرسي ان يكون هذا الاعلان الدستوري هو الاخير، فلا يصدر مزيدا من التحصين لقراراته، ليكن هذا هو آخر قرار استثنائي لك يا سيادة الرئيس حتى يخرج دستور مصر الذي وصفه احد الكتاب الناصريين العدول بأنه أعظم الدساتير التي ستشهدها البلاد.. نريد من الرئيس مرسي اقامة دولة العدالة الاجتماعية باصدار قانون الحدين الأدنى والأقصى للأجور، نريد منه ان يولي وجهه شطر مكافحة الغلاء الذي أحنى ظهر الجميع فقراء وطبقة متوسطة، نريد منه نظرة لقضية البطالة الخطيرة التي يئن منها رب كل اسرة علم اولاده حتى يجدوا عملا يخففون به عن ابيهم حمله ، فإذا بهم يجلسون عاطلين بالبيت. فإذا تحقق القصاص للشهداء والقضاء على الفساد، وأقيمت دولة القانون والدستور والعدالة الاجتماعية التي لا يظلم فيها او يهان مصري واحد.. فأنا على استعداد لانتخابك.. يا سيادة الرئيس اربع سنوات أخرى. مثقفو الصهيونية لايتحدث عن توطين الفلسطينيين في سيناء إلا خائن، فهذا هو الامل الذي تتعلق بأهدابه اسرائيل والطرح الذي تقدمه منذ أمد بعيد مراكز الابحاث الصهيونية دفنا للقضية الفلسطينية، والغريب ان الكثير من الاعلاميين والصحفيين المصريين يلحون على هذا الامر الآن، في حين ان أصحاب الشأن وهم هنا فلسطينيو غزة لم يفكروا فيه لحظة واحدة، رغم العديد من الفرص التي سنحت لهم في الماضي. بعض هذه الفرص جاءت مع اجتياح القوات الإسرائيلية لغزة اواخر عام 2008. كان الأمر سيبدو طبيعيا لو تدفقت جموع اللاجئين من غزة الى سيناء احتماء بأرض مصر الحبيبة، لكن ما حدث انه لم يتحرك طفل غزاوي واحد نحو الحدود المصرية، بل كان العكس هو الصحيح وهو زيادة التدفق نحو غزة تحت وابل القصف الصهيوني. جاءت الفرصة الثانية حين فتحت مصر معبر رفح قبل عدوان اسرائيل عام 2008وتدفق وقتها على مصر 400ألف فلسطيني نزلوا لشراء احتياجاتهم المعيشية من مصر وعادوا جميعا الى غزة. من يفتح هذا الموضوع اليوم هو مغرض ان لم يكن خائنا لانه يروج، سواء عن عمد او عن جهل للمشروع الصهيوني الذي يتمناه ويسعى الى تحقيقه نتنياهو، لكن هيهات ان يتحقق مادام المصريون المخلصون يحرصون على كل حبة رمل من سيناء، ومادامت عيون فلسطينيي غزة وباقي فلسطينيي الضفة الغربية لا ترى إلا في الضفة والقطاع، وطنا لهم لا يرضون عنه بديلا. فلتخمد اصوات مثقفي الصهيونية داخل مصر، حتى لا نخرج من "نقرة" مثقفي المارينز، لنقع في "دحديرة" مثقفي الصهيونية. نقلا عن جريدة أخبار اليوم