رئيس الوزراء يُهنئ وزير الدفاع بذكرى نصر أكتوبر    إعلان الجدول الزمني لانتخابات مجلس النواب| اليوم    اليوم.. فصل التيار الكهربائي 3 ساعات عن 25 منطقة بالعريش للصيانة الدورية    قنا ترفع درجة الاستعداد القصوى لمتابعة مناسيب مياه النيل    أسعار اللحوم الحمراء اليوم السبت 4 أكتوبر 2025    جامعة القاهرة: لجنة الإسكان تسعى لتنفيذ مشروع إسكان هيئة التدريس والعاملين    منتدى عائلات الأسرى يؤكد «ضرورة» الوقف الفوري للحرب في غزة    بينهم طفلان.. 6 شهداء في قصف الاحتلال غزة وخان يونس    ريال مدريد يواجه فياريال لمطاردة برشلونة على الصدارة    محاكمة زعيم تنظيم الجبهة الإرهابي وآخرين أمام محكمة بدر| اليوم    الأرصاد تحذر: تقلبات خريفية وشبورة وأمطار خفيفة    قبل ثاني الجلسات.. ماذا قالت سارة خليفة أثناء محاكمتها في قضية المخدرات؟    التضامن: فرق التدخل السريع تعاملت مع 662 بلاغا واستغاثة وشكوى خلال سبتمبر    وزير الخارجية يلتقي سفراء الدول الإفريقية المعتمدين لدى اليونسكو    مهرجان الإسكندرية يحتفي بفردوس عبد الحميد في ندوة تكريمية اليوم    نور إيهاب ل"فيتو": اعترافي بجريمة الاغتصاب في «نور مكسور» هزّني نفسيًا!    نجاح أول عملية زراعة قوقعة بمستشفيات هيئة الرعاية الصحية في أسوان والسويس    جراحة قلب دقيقة تنطلق بالتكنولوجيا في بورسعيد    ارتفاع الصادرات الزراعية المصرية إلى 7.5 مليون طن منذ بداية 2025    بسم فئران.. التحقيق مع متهمين بتسميم كلاب في حدائق الأهرام    رئيس الوزراء الكندي يلتقي مع ترامب في البيت الأبيض الثلاثاء المقبل    بداية العمل بالتوقيت الشتوي في مصر 2025.. الموعد والفرق بين مواعيد المحال التجارية    مباريات اليوم السبت 4 أكتوبر 2025.. الأهلي والزمالك في صدارة الاهتمام وظهور محمد صلاح أمام تشيلسي    الزمالك في اختبار صعب أمام غزل المحلة لاستعادة صدارة الدوري    دار الإفتاء توضح: حكم الصلاة بالحركات فقط دون قراءة سور أو أدعية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة قنا    تعرف على أسعار الأسمنت اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 في المنيا    انطلاق أولى اجتماعات مناقشة اعتراض الرئيس على الإجراءات الجنائية    وزير الري يتابع الاستعدادات النهائية لانطلاق أسبوع القاهرة الثامن للمياه    وزير الخارجية يثمن الدعم الفرنسي للمرشح المصري لرئاسة اليونسكو خالد العناني    مراسلات بدم الشهداء في حرب 1973.. حكاية المقاتل أحمد محمد جعفر.. الدم الطاهر على "الخطابات" يوثق البطولة ويؤكد التضحية .. الرسالة الأخيرة لم تصل إلى الشهيد لكنها وصلت إلى ضمير الوطن    رئيس الاتحاد يتكفل بإيواء وتعويض المتضررين من سقوط عقار غيط العنب بالإسكندرية    إصابة 7 أشخاص في حادث تصادم سيارتين بالطريق الدائري بالفيوم    مواعيد مباريات اليوم السبت 4 أكتوبر 2025 والقنوات الناقلة    تعطيل الدراسة في عدد من محافظات مصر بسبب الفيضانات| ما الحقيقة؟    «الصحة» تطلق البرنامج التدريبي «درب فريقك» لتعزيز مهارات فرق الجودة بمنشآتها    اليوم.. محاكمة متهم بالانضمام لجماعة إرهابية في بولاق الدكرور    سوما تكشف كواليس التعاون مع زوجها المايسترو مصطفى حلمي في ختام مهرجان الموسيقى العربية    هل إجازة 6 أكتوبر 2025 الإثنين أم الخميس؟ قرار الحكومة يحسم الجدل    اللواء مجدى مرسي عزيز: دمرنا 20 دبابة.. وحصلنا على خرائط ووثائق هامة    ثبتها حالا.. تردد قناة وناسة بيبي 2025 علي النايل سات وعرب سات لمتابعة برامج الأطفال    عبد الرحيم علي ينعى خالة الدكتور محمد سامي رئيس جامعة القاهرة    فلسطين.. طائرات الاحتلال المسيّرة تطلق النار على شرق مدينة غزة    نسرح في زمان".. أغنية حميد الشاعري تزيّن أحداث فيلم "فيها إيه يعني"    مباشر كأس العالم للشباب - مصر (0)-(1) تشيلي.. الحكم يرفض طلب نبيه    اسعار الذهب فى أسيوط اليوم السبت 4102025    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم السبت 4-10-2025 في محافظة الأقصر    محافظ المنيا يوجه برفع درجة الاستعداد لمتابعة فيضان النيل واتخاذ الإجراءات الوقائية بأراضي طرح النهر    بيطري بني سويف تنفذ ندوات بالمدارس للتوعية بمخاطر التعامل مع الكلاب الضالة    عاجل - حماس: توافق وطني على إدارة غزة عبر مستقلين بمرجعية السلطة الفلسطينية    هدافو دوري المحترفين بعد انتهاء مباريات الجولة السابعة.. حازم أبوسنة يتصدر    «عايزين تطلعوه عميل لإسرائيل!».. عمرو أديب يهدد هؤلاء: محدش يقرب من محمد صلاح    تفاصيل موافقة حماس على خطة ترامب لإنهاء الحرب    رابط منصة الشهادات العامة 2025-2026 عبر موقع وزارة التربية والتعليم    محيط الرقبة «جرس إنذار» لأخطر الأمراض: يتضمن دهونا قد تؤثرا سلبا على «أعضاء حيوية»    الشطة الزيت.. سر الطعم الأصلي للكشري المصري    هل يجب الترتيب بين الصلوات الفائتة؟.. أمين الفتوى يجيب    مواقيت الصلاه في المنيا اليوم الجمعه 3 أكتوبر 2025 اعرفها بدقه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إعلام البراغيث
نشر في المصريون يوم 29 - 11 - 2012

استسلمت للنوم القاهر في أعقاب ليلة عصيبة من الكر والفر بيني وبين ذلك البرغوث اللعين الذي صاحبني طويلاً وجاء معي من قريتي المنسية القابعة بريف مصر، وفي البرزخ الفاصل ما بين الصحو والنوم أحسست بدمعة مقهورة تسيل على خدي مما يفعله بي هذا البرغوث المؤذي؛ فلم تفلح معه أغلى أنواع العطور ولا المبيدات التي استخدمتها معه فيما يشبه الحرب الكيماوية، ولا حرصي على الاستحمام صباحًا ومساءً بأفخر الشامبوهات المستوردة، ولا ذهابي كل أسبوع إلى المغسلة لتنظيف جميع ملابسي بالبخار أو بغير البخار. فرغم كل هذا ما زال هذا اللعين كامنًا في مكان ما من ملابسي وما زالت قرصاته تؤرقني وتحرجني حين انتفض منها حتى وأنا على الشاشة في برنامجي ذائع الصيت واسع المشاهدة، حتى شككت أنه قابع تحت جلدي وليس في طيات ملابسي المهندمة الأنيقة.
وفجأة كأني تنبهت إلى دمعة أخرى، ولكن يا لغرابة ما رأيت؛ فقد كان الذي يبكي هو صاحبي البرغوث نفسه.. تعجبت وسألته: ما يبكيك يا صديقي اللدود؟، فقال: لقد أوحشني أهلي في قريتنا بالريف، فأنا هنا وحيد مطارد منك ومن عطورك ومبيداتك.. فقلت: وماذا يبقيك معي إن كان حالك كذلك؟، فقال لأني لا أعرف طريق العودة لأهلي، ولا أمل لي في عودتي إليهم إلا أن تعود أنت فأعود معك. فقلت: يا لك من برغوث حقير شرير!، أتريدني أن أعود إلى تلك القرية المهملة القميئة ببهائمها وطينها وتخلف أهلها؟.. فقال: إنهم أهلك وهي قريتك ومنبت رأسك، فكيف لا تحن إليها كما أحن إلى أهلي وأصحابي فيها من البراغيث والقمل والبعوض والهاموش؟. فقلت اخرس!.. إنك لا تعرف شيئًا عن مشوار طويل عانيته حتى أتخلص وأتبرأ من هذه القرية وأقطع كل ما بيني وبينها حتى في ذاكرتي، إنك لا تعلم شيئًا عن صعوبة ما عانيت حتى أصل إلى ما صرت إليه، فأنا الآن نجم إعلامي مرموق، ولي برنامج واسع المشاهدة ويجلب إعلانات بملايين الجنيهات يوميًّا، ولكن رغم كل هذا البريق الذي يحيطني ما زلت أنت تنغص علي عيشتي، وما زلت تذكرني بقريتي وبأهلها المتخلفين وبفقرها وطينها وبهائمها.. فقال: وبكم اشتريت هذا البريق يا حضرة المذيع اللامع؟.. إن كنت تناسيت فاسمح لي أنا رفيقك الضئيل الذي كنت شاهدًا على مشوارك أن أذكرك: فإنك لم تتبرأ من قريتك حين صرت مذيعًا لامعًا، بل من قبل ذلك بكثير، فمنذ دخلت إلى كلية الإعلام كنت تقدم نفسك إلى الناس على أنك ابن أحد أثرياء رجال أعمال المدينة عاصمة المحافظة، مستغلاً في ذلك تشابه اسم عائلتك القروية الفقيرة مع اسم رجل الأعمال هذا، وألا أحد يعرفك من زملائك بالكلية وأن أحدًا لن يطلب منك إثباتًا لكذبك.. وبعدما تخرجت في الكلية قطعت فعلاً ما بينك وبين قريتك، فقد استأجرت حجرة رخيصة في منطقة عشوائية مجهولة ومعزولة، ولم تكن تغادرها إلا إلى دهاليز وأروقة استديوهات مدينة الإنتاج الإعلامي، وصدقني لقد كنت أضحك بمرارة من مشهدك وأنت تبدو كالبهلوان في سيرك هذا العالم الزائف، وأنت تنافق المخرج الفلاني والمنتج العلاني والمعلن الترتاني، وتضاحك هذا وتداهن ذلك، وتورطت في أفعال تبرأت منك لأجلها قريتك وأخلاق قريتك التي تتبرأ أنت الآن منها، هل تريدني أن أفصح عنها؟.. لا؛ فالله أمر بالستر!.
ثم كانت وثبتك الفاصلة التي قطعت بالفعل ما بينك وبين القرية، لا من جانبك أنت، ولكن من جانب القرية الطيبة، حين صرت مذيعًا في إحدى أكثر قنوات الإثارة والفضائح ذيوعًا، وصار لك برنامج تبيع فيه كل شيء بأي شيء، فبعت كل أخلاق القرية في سوق إعلامك البراق، بعت المبادئ والقيم، وتاجرت في الأفكار والمثل، وأعملت برنامجك معولاً لهدم الدين ولسانك الذلق للتهجم على رموزه وحتى أركانه وشعائره، وسخرت كل ملكات حوارك وثقافتك السطحية لتملق كل سلطة بدءًا من رؤسائك في القناة وحتى صاحب القناة إلى السلطة الحاكمة مهما بدا لك من أخطائها، ومن انفصالها عن الشعب وعن أخلاقياته وثوابت وطنيته وهويته، فصرت بوقًا لهذه السلطة، وإنك لمستعد مقدمًا أن تكون بوقًا لأي سلطة أخرى ولو كانت على النقيض من هذه السلطة التي تستميت اليوم في الدفاع عنها.
صدقني إن كان أحدنا قد ضجر من الآخر فهو أنا، وإن كان أحدنا راغبًا في فراق الآخر إلى غير رجعة فهو أنا، ولكن ماذا أفعل إن أنا فارقتك الآن في هذه المدينة الواسعة؟، إن تمسكي بك هو خوف من هذه المدينة الزائفة ومن مجتمعك الذي تخنقني روائحه وعطوره، ولم يبق لي إلا أمل واحد هو أن تعود بي يومًا إلى قريتنا لأعود إلى أهلي وخلاني الذين هم أنقى منك وأطهر رغم برفاناتك وشامبوهاتك المستوردة.
وقبل أن أزعق في هذا البرغوث اللعين انتبهت على قرصته، فطار نومي وخلعت كل ملابسي وأخذت أبحث عنه في طياتها، ولكن دون جدوى، فعرفت أنها ليلة أخرى من لياليّ المسهدة الطويلة، وعند طلوع النهار وجدتني أفكر جديًا في رغبة ملحة أن أعود إلى القرية ولو لدقائق أحقق فيها لهذا البرغوث سليط اللسان أمله في عودته إلى أهله وأحبائه فيفارقني، ولكن أرجأت هذه الخطوة إلى الغد، فأنا اليوم مشغول بإعداد الحلقة الجديدة من برنامجي اللامع، حيث إن ضيفي اليوم هو نجيب ساويرس نفسه، ولا شك أن هذا اللقاء يهون في سبيله قرص كل براغيث قريتي المهملة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.