علي عكس ما يدعي الجميع.. فالكراهية هي التي تدفع الأطراف للتناحر وليس الحب.. حب مصر آخر ما يفكر فيه من يتصارع عليها سياسيًّا الآن.. قد يكون هذا المنطق مقبولًا من شعوب تحترم أوطانها.. أما شعوب لا تحترم الجيرة، ولا الشارع، ولا المدينة، ولا العمل، ولا حتى نفسها.. فكيف نصدق أنها تتصارع على حب الوطن..! المعادلة التي في المشهد حاليًّا تصدر للمتابع صورة واضحة.. فمصر بعد الثورة انقسمت إلى مربع أهم أضلاعه نظام مبارك.. أما الأضلاع الثلاثة الأخرى فكانت في الأصل عبارة عن ضلع واحد من شعب ثائر على نظام فاسد ظالم.. ثم انقسم هذا الضلع بعدها إلى ثلاثة.. ضلع يمثل ثوار التيارات الإسلامية.. وضلع يمثل ثوار التيارات الليبرالية.. أما الضلع الرابع والأخير فهو باقي الشعب الذي ثار ثم ركن وظل يتابع ما يحدث دون تدخل.. الضلع الثاني، وهو التيارات الإسلامية لم يجد غضاضة يومًا في وضع يده بيد المجلس العسكري، لتحقيق أغراض سياسية بداعي الاستقرار، كما حدث أيام محمد محمود ومجلس الوزراء، وهو ما جعل الضلع الثالث، وهو التيارات المدنية تتربص بهم لنراهم يفعلون اليوم بالميدان نفس ما فعلته التيارات الإسلامية يومًا، ويردون لهم الكيل الآن بمكيالين، ويضعون أيديهم في يد الفلول والفاسدين علانية لدرجة أنك تراهم يسيرون خلف الزند، وأبو حامد، وشفيق، وعاشور، والبدوي!.. والكراهية المتبادلة هي التي دفعت الطرفين دفعًا لتبني تلك المواقف المتناقضة.. وفي الحالتين مبارك ورموزه الفاسدون متصدرو المشهد الثوري الآن هم الضلع المستفيد من طمع هذا أو ذاك في السلطة أو الكيد بعضهم لبعض.. بينما الضلع الرابع مازال يشاهد ويتابع دون تدخل فعلي منه، ولا يعنيه من قريب أو بعيد من يحكمه سواء فاسد كما مبارك، أو ينتمي للتيار الإسلامي كالدكتور محمد مرسي، أو ينتمي للتيار الليبرالي كالدكتور البرادعي مثلًا.. الثورة نفسها ليست حكرًا على فصيل معين.. التيارات الإسلامية كافحت، وعانت كثيرًا للوقوف ضد طغيان مبارك حتى يوم 25 يناير.. وشباب الثورة كانوا وقودها الذي ساهم في إشعالها.. فلا فضل لأحد على الآخر، وليس صحيحًا أن أحدهم اعتلى الثورة.. عفوًا أعتذر عن كلمة اعتلى حتى لا تقاضينا إلهام شاهين.. المشهد اليوم في ميدان التحرير متشابك للغاية.. والثوار الموجودون به عليهم أن يطهروه بداية من فلول الحزب الوطني وفاسديه وفناني مبارك وأرجوزاته.. في هذه الحالة يصبح الحوار ثوريًّا بحتًا.. لهم ما أرادوا وعليهم ما التزموا به ديمقراطيًّا.. وإلا فأية اتهامات تطالهم لن يستطيعوا أن يبرئوا أنفسهم منها.. حالة الاستقطاب السياسي الملحوظة، والتي تؤدي للاحتقان، ومن ثم قد يصل الأمر بنا إلى حرب أهلية على غرار لبنان السبعينيات هي حالة مصنوعة بدقة من قبل المخابرات الأمريكية والموساد الإسرائيلي، وأبسط مثال على ذلك توسيع رقعة الصراع لتصل إلى محافظات ومدن بعيدة كل البعد عنه مثل دمنهور وطنطا والبقية تأتي.. فأين جهاز المخابرات المصري والأمن القومي، وهي أجهزة معلومات دورها البحث للوصول وراء من يقف خلف ذلك، والإعلان عنه.. هل من المعقول خلال السنتين الأخيرتين ألا يسقط عميل أو جاسوس واحد رغم اشتعال الأحداث في مصر بصورة غير طبيعية ؟؟ الهتاف بسقوط النظام لن يجدي نفعًا.. فعندما هتف الشعب بسقوطه يوم 25 يناير كانوا مجتمعين على رأي واحد.. أما اليوم فالدكتور مرسي وراؤه تكتل لن يسمح بذلك، والعكس صحيح فأي تكتل آخر لن يسمح بسقوط رمزه.. الحوار الثوري هو الحل لكن بعيدًا عن أرجوزات مبارك وزمرته الفاسدة الذين أصبحوا ثوارًا، بسبب الكراهية المتأصلة بين الثوار الحقيقيين..