ميدان التحرير الذى يجمع الآن، الحزب الوطنى المنحل صوريًا، والفنانون الذين انزووا وقت الثورة ووضعوا على القوائم السوداء حينها، وأحزاب الفلول، وبعض القوى الثورية، لا يمكنه أن يمنح الشرعية لذاته ما دام يريد مصر ديمقراطية يحكمها الخيار الشعبى وليست المزايدات الشعبية، لاسيما لو تعلق الأمر بحشد عمال مصانع لرجال أعمال الفلول ونحوها. العدد كبير، نعم.. بعشرات الآلاف، صحيح.. هل احتشاده دليل على قوة المعارضة؟ لا!! إننا نتحدث عن تجمع يضم أنصار ثلاثة مرشحين خاسرين للرئاسة (شفيق وموسى وصباحي) وعشرات الأحزاب والقوى الأخرى، علاوة على أنصار البرادعى، (كل حزب من هؤلاء يفترض أنه قد استطاع تجميع خمسة آلاف للتأسيس، وبالتالى فجمع عشرات الآلاف ليس شيئاً معجزاً ولا دليلاً على الشرعية التى تحكمها الصناديق.. لا أحد ينكر أن لبعض الأحزاب شعبية، وأنه برغم ذلك كله؛ فإنها مجتمعة لا تعدو أن تكون أقلية فى أى انتخابات نزيهة، نحن لا ننفى وجود معارضة وهذا أمر صحى فى حالته الطبيعية لا الفوضوية أو (الديماجوجية الحالية).. إن ما رأيناه الليلة هو معبر عما يلي: أولاً: الفارق الهائل بين قدرة الفلول، وقدرة "القوى المدنية" على الحشد، بدليل أن إفساح الطريق لها للميدان جعله لأول مرة يمتلئ جزئياً بشكل لافت فى مليونية لا تحوى "الإسلاميين"، وهذا أمر متفهم، كون الحزب الوطنى كان يضم الملايين قبل أن ينحل، وهذا إن قيس بالمليونيات التى منع منها أنصار شفيق وموسى من التواجد، وكانت هزيلة كمليونية "مصر مش عزبة" وأمثالها، لهو أكبر دليل على أن "القوى المدنية" التى فقد معظمها "شرفه" بالتحالف مع الفلول لم تستطع على مدى عامين أن تكسر احتكار "الإسلاميين"، لا وهى وحدها فقط، ولا حتى الآن وهى فى أحضان الفلول، وإنما صنعت شكلاً من أشكال المحاكاة المصغرة لقوة "الإسلاميين". ثانياً: إن هذه القوى قد كشفت فى مظاهرتها تلك أن مسألة "الإعلان الدستوري" ليست إلا "قميص عثمان" تتدثر به، وتخفى خلفه رغبة تسلطية إقصائية كافرة بالديمقراطية، وما تفرزه، وتلك القوى التى تهتف الآن بسقوط رئيس منتخب، اعترفت هى بذاتها بشرعية انتخابه، هى لا تقلد فى ذلك أى قوى ديمقراطية "مدنية" ليبرالية على وجه الأرض، ولا حتى الثورة البلشفية التى أسقطت حكماً قيصرياً لإحلال آخر ديكتاتورى بدلاً منه. ثالثاً: إن إعلام المارينز الذى خلت له الساحة تماماً قد ترك أثره فى تسويق الأكاذيب والإدمان على ترديدها للحد الذى جعله ينجح جزئياً فى محاولة شيطنة حكم الرئيس مرسى الذى لم ينطلق بعد من إسار الدولة العميقة التى لم تسقط بكل تأكيد يوم 12 أغسطس الماضي، وظلت كتائبها تحكم البلاد من خلف ستار. .... هل فى الحشد ما يقلق من الناحية الديمقراطية البحتة؟! بالطبع لا، فبإمكان "الإسلاميين" والقوى الوطنية حشد أكثر بكثير مما شاهدناه هذه الليلة، كما، وأنها من زاوية أخرى، لا يبدو الأمر مقلقاً لجهة احتكام الجميع إلى صندوق الانتخاب الأكثر صدقاً وتعبيراً عن الجماهيرية الحقيقية التى يتمتع بها الطرف بها أو ذاك، و"الإسلاميون" يسلمون بها للحكم بينهم وبين خصومهم؛ وفى الواقع أن لديهم رصيداً كبيراً ما زالوا يتمتعون به، كما أن الرئيس كذلك له ما يناظر هذا الرصيد، بدليل إجماع كل استطلاعات الرأى على القبول بالإعلان الدستوري، ومعظم تلك الاستطلاعات كانت لجهات "مدنية" لا تحمل وداً للحركة الإسلامية بصفة عامة. المقلق ليس ديمقراطياً.. نحن نطالع بين الفينة والأخرى تصريحات لمسؤولين عسكريين يرفضون ذكر أسمائهم عادة (كما فى رويترز وغيرها) يتحدثون عن انحيازهم للشعب، وهو مبدأ لا غبار عليه ولا جدال حوله، لكن من جهة أخرى نأمل فى أن نسمع منها تجديداً ظرفياً لما سبق أن نصت عليه منذ شهور من التزالمها بالحفاظ على الشرعية متمثلة فى السلطة التنفيذية المنتخبة (سلطة الرئيس) والمؤسسات الرسمية، حيث إن البعض يتطلع إلى تجديد النص فى هذا الظرف على أن القوات المسلحة هى مع الشرعية السياسية التى جاءت بالرئيس مرسي، وبمجلس الشورى، والشعب المنتخبين، حيث لا سلطة اليوم بمصر منتخبة سوى الرئيس. للمؤسسة العريقة تقديراتها، ولعلها كما يقال تريد أن تنأى بنفسها عن الانخراط فى صراع سياسي، لكنه اليوم ليس حزبياً وإنما بين نظام منتخب وفوضى، ولا يمكن توصيف ما يجرى من مطالبات بإقالة رئيس منتخب إلا أنها مقدمة فوضى تضرب البلاد، وهذا يختلف جذرياً عن حالة المزور المخلوع مبارك.. للمؤسسة تقديراتها، ولكن نحن نرصد زجاً واضحاً باسمها وتحريضاً فاضحاً من قوى رجعية "مدنية" على الانقلاب، وتوزيع منشورات باسم المؤسسة فى جرأة غير مسبوقة، ونتطلع إلى ما يوقف هذا العبث ضد دورها فى الحفاظ على الشرعية. ثم نحن نسمع، نقلاً عن مصدر عسكرى أن الجيش لن يتدخل إلا إذا انسحبت الشرطة، ونحن نلمس مؤشرات واضحة لانسحابات فى بعض المدن كالإسكندرية وغيرها فيما يتعلق بتأمين المنشآت الحزبية وغيرها، ويساورنا القلق من مغبة ما قد يحدث مستقبلاً مع تطورات حال الانقلاب على الشرعية، ونقرأ أن "ائتلاف ضباط الشرطة" قد رفض حماية مقرات الإخوان لأنهم يحافظون على القانون لا الأحزاب، وكأن أرواح من يحمون مقراتهم مستباحة وخارج اختصاصات الشرطة! .... والموقف الذى يستحق أن يبنى الآن، وعلى وجه السرعة، لابد أن يتلخص فيما يلي: 1 قرارات أكثر حزماً.. 2 امتلاك سريع للشارع.. 3 تصدير الدستور (بأى صورة) للاستفتاء الشعبي.. ... سلم الله مصر من كل سوء Amirsaid_r@