تنشأ المشاكل بين الناس من تعارض الإرادات، البائع يريد الحصول علي أقصي ربح، لكن إرادته تتعارض مع إرادة المشتري، فإذا تنازل الطرفان بعض الشيء التقيا في نقطة محددة هي لحظة الاتفاق بينهم علي الصفقة ثم يفترقان مرة أخرى. تريد الفتاة الزواج من شاب معين لكنه لا يريدها لأنه متعلق بأخرى وهذه بدورها لا تتفق معه لأنها ارتبطت بالفعل بغيره يدفعه رفضها للعودة للفتاة الأولي وتتلاقي الإرادات. يشبه الأمر من وجوه كثيرة لعبة الكلمات المتقاطعة حيث هناك حرف ناقص لابد أن يكمل الكلمتان التي تتجه كل منهم في اتجاه مختلف عن الأخرى لكنهما يلتقيان ويتقاطعان عند ذلك الحرف الذي يكمل كل منهم ويجعل له معنى. يحدث هذا في كل العلاقات الإنسانية في الزواج، الصداقة، الشراكة، العمل، حتى أسمى العلاقات وهي علاقة الوالدين بأبنائهم لا تخلو من تضاد وتعارض الإرادات. في الزواج مثلاً تأتي نقطة الالتقاء عندما يعثر الطرف الأول على شريكه الذي يوافقه ويكمله ويغرق الاثنان في السعادة وتذوب بينهم الحدود والفوارق حتى يقتربان من الإتحاد الكامل إنها نقطة العثور علي الحرف الناقص الذي يكمل الكلمة ويجعل لها معنى، ولكن تلك النقطة ليست مستمرة إذ سرعان ما يتجه كل طرف في طريقه المحتوم ويبدأ صراع الإرادات. وبعض الناس يستوعب هذه الحقيقية الأولية ويتكيف معها بفطرته ويستعين بقدرات ذكائه الاجتماعي في ذلك فهو يفهم حقيقة مشاعره ورغباته دون أي محاولة للتجمل أو التزييف علي الأقل بينه وبين نفسه وبالتالي يستطيع أن يحدد ما يريده ممن يتعامل معه، كذلك فإنه لا يغفل الطرف الأخر ويحاول دائماً أن يضع نفسه مكانه ليرى الحقيقة من الشاطئ الأخر، وهو قادر على التعاطف مع الأخر وتفهم ظروفه والتماس العذر له، وهو بصفة عامة قادر على إدارة انفعالاته والتحكم في سلوكه بشكل ناجح وعادة هو ناجح ومحبوب ومتوازن في علاقاته مع الآخرين ومتألق في حياته الاجتماعية في المقابل هناك من يصر أن يتصرف الآخرون كما يريد وأن يتطابق خطهم البياني معه ولا يقنع أبداً بما دون ذلك فتضطرب حياته ويسودها الصراع ويشعر دائماً بالغبن فهو لم يأخذ حقه من الحياة بسبب ظلم الآخرين له، وهذا الشعور السلبي يعوق تقدمه وسعادته وتحقيق أحلامه. يوفر علي نفسه الكثير من العناء والاستنزاف النفسي من يقبل الناس كما هم ويركز علي نقاط التلاقي والاتفاق معهم لتحقيق أفضل نتيجة إيجابية ممكنة فإذا افترق خطه عن خطوطهم فلا يأسف على ذلك بل يمضي في طريقه مستعيناً بطاقته النفسية والروحية كاملة فيما يرضي الله وينفع الناس، أما أحلامه وآماله فلا يعلقها على أحد من البشر بل يتوجه دائماً إلي خالق البشر فهو وحده القادر علي كل شيء. جاء في الحديث الصحيح "إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف".