تصوروا للحظة واحدة، لو أن متظاهرين إسلاميين هم الذين قاموا بتخريب وحرق قناة الجزيرة فى ميدان التحرير، كيف ستكون ردود أفعال التيارات العلمانية والليبرالية. كنا سنسمع صراخًا وتنديدًا وبكاءً على إهدار الحريات وتكميم الأفواه والسياسة الممنهجة للإسلاميين لمصادرة الرأى الآخر. ونتصور كم من سرادقات العزاء ستقام ليلياً فى الفضائيات تُسكب فيها دموع التماسيح على مذبح الديمقراطية. أما وإن من ارتكبوا تلك الفعلة كانوا من التيار "الآخر" المستنير فلتلتزم الآلة الإعلامية الرهيبة الصمت التام والتغافل الكامل. وتصوروا أيضًا لو أن متظاهرين إسلاميين قاموا – أمام كاميرات التليفزيون – بحرق مقرات أحد الأحزاب السياسية بعد اقتحامه بعد العبث بمحتوياته وإلقاء أثاثه وملفاته من الشرفات، كيف ستكون ردود أفعال التيارات العلمانية والليبرالية. أعتقد أن الأمر ربما يصل وقتها إلى الأممالمتحدة وكل منظمات حقوق الإنسان، وكنا سنسمع أوصافاً لمن قاموا بهذا بأنهم أعداء الحرية وأنصار التخلف والرجعية. أما وإن من أقدموا على تلك الجريمة من الشباب "الجميل المتحمس الغاضب"، فلا نسمع كلمة تنديد واحدة من التيارات التى صدعت رؤوسنا باحترام الحوار المتمدن والإصغاء لشركاء الوطن. وأذكر أنه لما قام مجهولون باقتحام مقر حملة أحمد شفيق بالدقى وإحراقه فى مايو الماضي، أدانت كل القوى السياسية الحادث، وقال حمدين صباحى _ وكان مناصروه وقتها فى ميدان التحرير وميادين أخرى يطالبون بإعادة الانتخابات الرئاسية – فقال صباحى وقتها: "لم أدع أى أحد إلى التظاهر، وأى اعتداء على مقر أحمد شفيق أدينه.. هذا عمل سيئ النية. من يحب هذه البلد لا يخرب ولا يحرق ولا يجعل الناس فى بيوتها تشعر بالذعر، ويجب التوقف فوراً عن ذلك. نريد أن تكون لدينا القدرة على الاختلاف والقدرة على احترام رأى الآخرين". وتصوروا كذلك لو أن عشرات من المعتصمين الإسلاميين فى ميدان التحرير قاموا بإغلاق كل مداخل الميدان أمام حركة المرور لعدة أيام، كيف ستكون ردود أفعال التيارات العلمانية والليبرالية؟ كنت ستسمع تباكيًا على مصالح الناس المعطلة فى هذا الميدان الحيوى بقلب القاهرة، وكنت سترى لقاءات عديدة مع مواطنين أنهكتهم الظروف الاقتصادية يسعون للقمة عيش شريفة، فإذا بهذه التظاهرات تتحكم فى أشغالهم وتعطل حركة حياتهم. أما وإن من قام بهذا عشرات من التيارات "المدنية" فأهلاً وسهلاً ولا جناح عليهم ولا خوف عليهم ولا هم يلامون. وتصوروا أخيراً أن كل هذا السب والقذف الذى تمتلئ به الفضائيات ليليًا ضد رئيس الجمهورية، قد فعل الإسلاميون عشره ضد رؤساء الأحزاب ورموزها لقامت الدنيا ولم تقعد. ولا أحتاج لأن أذهب بعيدًا، فقد قام مقدم برامج (باسم يوسف) على قناة السى بى سي، مؤخرا بنقد ساخر لزملائه فى نفس القناة (عماد أديب وخيرى رمضان ولميس الحديدي)، فإذا بهم ينتفضون وإذا بعماد أديب ينفعل (بهدووووء طبعاً) ويتوعد ويؤكد أنه لن يترك باسم يوسف وسيلاحقه قضائيًا وأنه يعتبر نقده سبًا وقذفًا يحاسب عليه القانون، وأنه لن يتركه يومًا واحدًا بلا ملاحقة. إن ما نراه الآن من الأحزاب العلمانية والليبرالية هو توفير الغطاء السياسى الكامل لأعمال البلطجة ولممارسات العنف، وإن بعض المشاهد فى الأحداث الأخيرة لا يمكن نسبتها لمواطنين خرجوا للتظاهر السلمى تعبيرًا عن آرائهم، خاصة أولئك الذين فى محيط وزارة الداخلية ينادون بالقصاص للشهداء، فإذا هم ينادون فجأة بإلغاء الإعلان الدستورى وإعادة النائب العام المعزول. إن ما نراه هو استخدام محترف لبلطجية متمرسين فى اقتحام وحرق المباني، وهؤلاء قد ظهر الآن من يقف وراءهم، أو على أقل تقدير من يغض الطرف عنهم ويوفر لهم المظلة السياسية لأعمال التخريب. http://www.facebook.com/Dr.M.Hesham.Ragheb