يعتبر مبدأ (سيادة القانون) من مبادئ الحكم فى الدول غير الاستبدادية، حيث يخضع الجميع فى الدولة للقانون حكاماً ومحكومين، فلا يخرج أحد عن القانون، ولا سلطة لأحد فوق القانون، الأمر الذى خرج بالسلطة من كونها صفة لصيقة بشخص الحاكم يفعل ما يشاء دون أن يتقيد بقيد – كما حدث مثلاً من لويس الرابع عشر ملك فرنسا والذى كان يقول: أنا الدولة، والدولة أنا! - إلى صفة ملازمة للدولة بأسرها. وفى الحياة السياسية يوجد طريقان متناقضان للتغيير السياسي! الطريق الأول وهو التغيير العادى الذى يأتى من خلال القنوات الشرعية والقانونية. والطريق الثانى وهو التغيير الثورى والذى يكتسب شرعيته من إرادة الثوار. ولو رجع بنا الزمان إلى فترة حكم المخلوع مبارك لوجدنا أنه من الناحية القانونية والشرعية الدستورية أن المخلوع هو الحاكم الشرعى للبلاد والقانوني، ولكن فقدان شرعيته وقانونيته جاءت من إرادة الثوار، فالطريق الثورى هو طريق غير قانونى بالأساس! وعندما أعلن الرئيس محمد مرسى عن الإعلان الدستورى الجديد والذى وصفه مؤيدوه بأنه قرار ثورى يهدف إلى حماية الثورة وتحقيق أهدافها، بينما وصفه معارضوه بأنه قرار انقلابى يُخرج السلطة عن شرعيتها وقانونيتها. فهنا نسجل عدة ملاحظات هامة تساعدنا فى قراءة المشهد السياسى وتحليله. أول ما نلاحظه هو طبيعة أعضاء المحكمة الدستورية، فهم ثلة من رجال المخلوع والذى لم نسمع لأحدهم صوتاً فى ظل الفساد الذى كنا لا نعيشه فقط بل نتنفسه! والغريب فى الأمر أن هؤلاء الرجال صاروا بعد الثورة الأسود الضارية التى تقف أمام السلطة وتحفظ هيبة القضاء! وينادون بحماية القضاء واستقلاله وغيرها من المبادئ التى لا نختلف عليها ولكنها كلمة حق أريد بها باطل! الأمر الثانى والغريب أنهم هم أنفسهم الذين لم يحترموا مبدأ الفصل بين السلطات حيث صارت المحكمة الدستورية – للأسف – مسيسة وبات أعضاؤها نجوماً فى الفضائيات يومياً يملأون الدنيا ضجيجاً وتحليلاً! والأصل فى المؤسسة القضائية أنها مؤسسة فنية ودورها غير سياسى فهى تفصل بين الأطراف المتنازعة، فلا يصح أن يكون القاضى هو الخصم فى القضية موضع النزاع. الأمر الثالث إذا كانت الديمقراطية تقوم بالأساس على التداول السلمى للسلطة، لأن السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فلا يصح أن يكون فى نظام ما (منصب) أبدى فهو مدعاة للفساد، فلا يصح أن يكون هناك شخص محصن لا يُعزل! الأمر الرابع والأخير – هنا - هو تواتر الأنباء بسنياريو ما يسمى ب 2 ديسمبر والخاص بحل التأسيسية ومجلس الشورى، والأدهى والأمر عودة المجلس العسكري، وآخر هذه الأنباء وروداً ما ذكرته صفحة (الحرية والعدالة) على الفيس بوك والخاصة بشهادة المؤرخ السياسى الدكتور محمد الجوادى عن خطة المحكمة الدستورية فى إصدار أحكام هامة وخطيرة فى جلسة الثانى من ديسمبر . وأكد "الجوادي" فى تصريح خاص ل"مراسلون" أن الدستورية كانت تعقد العزم أن تحكم بحل مجلس الشورى والجمعية التأسيسية، وتبطل الإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى 12 أغسطس الماضى، وتعلن تنحية الرئيس مرسى بحجة عدم احترامه الدستور الذى أقسم عليه وعودة المجلس العسكري. وقال الدكتور الجوادى إن هذه المعلومات سمعها بنفسه من أحد أعضاء المحكمة خلال اجتماع خاص, ورفض الدكتور الجوادى الإفصاح عن اسم عضو المحكمة، وقال إن الرئيس مرسى اتخذ الإجراء المناسب قبل فوات الأوان. وأوضح المؤرخ السياسى أن القرارات الأخيرة للدكتور مرسى صائبة تماما وثورية مائة بالمائة، واصفاً إياها "بمثابة إنجاز عظيم يصب فى مصلحة الوطن ويحافظ على الثورة والمجالس المنتخبة من حالة السيولة السياسية". فإذا ما قرأنا هذه الملاحظات بعناية وراجعنا الإعلان الدستوري، والذى جاءت قراراته استثنائية تتناسب مع طبيعة المرحلة، وتهدف إلى إنهاء المرحلة الانتقالية فى فترة زمنية خمسة أشهر، تجد نفسك مضطراً لقبول هذا الإعلان الاستثنائي. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]