بالنظر في حصيلة يوم واحد من ملحق "الرسالة" الذي بدأت (الأهرام) في طبعه بمناسبة ما يسمونه "إنتخابات الرئاسة" القادمة ، نرى العناوين التالية : "عرفت الرئيس مبارك.. إنجازات مبارك .. الرئيس وأنا .. من البسطاء إلى مبارك .. عين الله لاتنام (عن مبارك طبعا)". هذا الكم من النفاق المبتذل يجري في صحيفة مصر الأولى التي إختطفتها جماعة السفه لتوظيفها من أجل تأمين مناصبها ومغانمها. هذه الجماعة تنطبق عليها مقولة (إذا لم تستح فاصنع ماشئت) ، حيث خرج العدد الأول من هذا الملحق بافتتاحية تعبر عن لسان من على رأسه بطحة النفاق ، فيقول : "لم نكن يوما بدف المديح ضاربين .. ولسنا من هواة الطبل والزمر.. ولم نرفع يوما عقيرتنا في مناقب زعيم أو مآثر سلطان .. فنحن أصحاب مبدأ لا نحيد عنه وهو الحيدة التامة." إن كان ما ينشر يوميا في هذا الملحق ليس طبلا وزمرا ودفا ، فما يكون؟ ويالها من حيدة تلك التي لا تكتفي بوقوف كافة أجهزة الدولة وراء الرئيس المرشح فيما يسمى بالانتخابات ، وإنما تفاقم المهزلة بتهريج وصل إلى حدود لاتطاق بعد العدد الرابع من ملحق (الأهرام) المؤسف. بل إن الجرأة وصلت بكاتب افتتاحية العدد الثاني إلى حد مقارنة مبارك بسيدنا عمر بن الخطاب . وهو مايؤكد مدى الهزل الذي إنحدر إليه سيرك النفاق الذي سنستمر في المعاناة منه على مدى الأسابيع القادمة. هذا السيرك يشارك فيه خليط من الكتاب اختاروا بمحض إرادتهم أن يهدروا ما تبقى لهم من إحترام ومصداقية. فهذا "مفكر كبير" يتطلع شوقا إلى الوزارة ، أية وزارة ، يكتب مقالا عن عظمة وحكمة ومناقب مبارك . وذاك كاتب يزعم أن كل تأييد للسلطة في مصر لا يعني نفاقا ورياء ، "ومن يقول بهذا يحيد منحرفا عن أهم شروط منهجية التفكير العقلاني". وهذا الكاتب هو أحد الذين ينعمون باحتكار المساحة الأسبوعية في أكبر صحف مصر المحظور على كبار المفكرين العقلانيين الاقتراب منها. إن ما يقوله هذا الكاتب هو قمة اللاعقلانية ، لأنه يستحيل وصف أية تأييد ومديح لنظام حكم مبارك إلا بكونه نفاقا ، بل نفاقا رخيصا يعلي المصلحة الشخصية فوق مصلحة مصر. كيف يكون عقلانيا تأييد نظام وصلت مصر في ظله إلى الصفر في المونديال والرياضة والمستوى الجامعي والبحث العلمي والفنون بأنواعها وعلى رأسها السنيما؟ كيف يكون عقلانيا تأييد نظام سرطن غذاء مصر ويفرض حماية على المجرمين المسئولين عن ذلك ، وسرطن الحياة السياسية ، ويفرض حمايته على مجموعة من مراكز القوى وصل فسادها إلى حدود غير مسبوقة.. نظام خرب بيوت عشرات الآلاف من البشر في حربه المذعورة على شركات توظيف الأموال.. نظام يأمر بانتهاك حرمات البيوت الآمنة واعتقال الأب والزوج والأخ من خيرة شباب مصر وإلقائهم في المعتقلات ؟ هل سمع السيد محمود مراد ، كاتب (الأهرام) عن معاناة زوجة وبنات أخي وزميلي في هندسة القاهرة د. عمرو دراج المعتقل زورا وظلما منذ أربعة شهور بتهمة الإعداد لمظاهرات؟ هل سمع السيد مراد عن معاناة مئات الزوجات والأبناء الذين إعتقل أمن هذا النظام المذعور ذويهم دون ذنب سوى أنهم يثيرون خوف جماعة النفاق على مصالحهم ومغانمهم الحرام؟ كيف يكون عقلانيا تأييد نظام وأد النقابات ومنع إنعقاد جمعياتها العمومية وأمم نوادي هيئات التدريس ووضع الجامعات تحت رحمة أمن الدولة؟ كيف يكون عقلانيا تأييد نظام منح إسرائيل حق الفيتو على تعمير سيناء حتى تظل خاوية آمنة يرمح فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين ؟ كيف يكون عقلانيا تأييد نظام منح الأمريكيين حق الفيتو على علاقات مصر الخارجية ، وخاصة بإيران ؟ إن قائمة خطايا نظام حكم مبارك لا يتسع لها المجال ، وإن كانت خطيئته الوحيدة هي إنتهاك حريات الإنسان المصري وترويع النساء والأطفال ، لكان ذلك وحده يكفي للتدليل على أن أية كلمة تأييد لهذا الحكم لا يمكن إلا أن تكون نفاق وسفه ورياء.