اتصل بي محرر أحد الصحف المصرية اليومية المستقلة ليقول لي إن الجماعة الإسلامية المصرية بايعت مبارك لولاية خامسة باعتباره ولي الأمر الشرعي وباعتباره الرجل الذي تتوافر فيه الشروط الشرعية ، واندهشت من هذا الأمر ، وقلت ما أدين لله به أن الأمر أبعد ما يكون عن القواعد التي حددها العلماء في كتب " السياسة الشرعية " ومنها كتاب الماوردي " الأحكام السلطانية " وكتاب " أبو يعلي " واسمه " الأحكام السلطانية " أيضا وهما متشابهان إلي حد التطابق ولكن الأول علي المذهب الشافعي والثاني علي المذهب الحنبلي وهناك نسخة طالعتها وكنت أشرحها لبعض الأصدقاء والزملاء والطلاب في السجن في منتصف الثمانينات وكانت تحتوي علي النسختين معا واحدة في المتن والثانية علي الهامش . وأول باب من أبواب كتب السياسة الشرعية هي مسألة السلطة والحاكم والشروط التي تتوافر فيه لأن السلطة المسلمة هي الحارسة علي الدين والدنيا معا كما شرح ابن خلدون في مقدمته وكما شرح علماء الفلسفة والحكمة المسلمين ومستشاري الحكام فالدين بلا سلطة يكون ضعيفا والسلطة بدون دين تكون غاشمة ، ومن ثم السلطة والخلافة والحكم وقواعدهما مثلتا الباب الأول في كتب الأحكام الشرعية . الدولة الإسلامية هي دولة عقيدية بمعني أنها تقوم بالأساس لحماية الدين وحماية المسلمين والتمكين لهم من أن يعيشوا وفق قواعد دينهم ، هذه هي الوظيفة الأساسية للدولة المسلمة ، فإذا تحولت لدولة تحمي غير المسلمين وتحفظ لهم دينهم وتمنع ذلك علي المسلمين فإنها هنا تكون تخلت عن وظيفتها العقيدية والأخلاقية . والبيعة هي عقد بين الحاكم والمحكوم يقفان فيه علي طرف المساواة يفوض المحكوم الحاكم فيه بأن يقوم نيابة عنه بتحمل مسئولية إدارة الدولة وفق القواعد والقيم الإسلامية ، ولابد من توافر عدة شروط فيمن يترشح لمنصب ولي الأمر الشرعي سواء أكان رئيساً أم غيرها من الأسماء أولها العلم أي أن يكون علي علم والعلم هنا هو العلم الشرعي أي علم الدين ولا يتصور أن يكون هناك شخص يرشح لمنصب الرئيس في دولة مسلمة وليس لديه الحد المطلوب من العلوم الشرعية من مثل حفظه للقرآن وعلوم اللغة العربية الأولية وأن يكون معروفا عنه الالتزام بأحكام الإسلام في سلوكه الخاص أي أن تكون أسرته ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية . ونحن هنا نقول توافر الحد الأدني من العلوم الشرعية فنحن مثلا ورغم أننا غير متخصصين في الشريعة لكننا علي علم وبقدر مهم في العلوم الشرعية ، فمن يريد أن يكون إماما للمسلمين مهما كانت حداثة العصر وتقدمه لا يمكن أن يكون جاهلا بالإسلام لا يعرف كيف يقيم حروف الآيات ، لكننا نقول إن العلم هنا هي علوم الإدارة والسياسة ، والدولة العثمانية وهي آخر دولة كانت تحمل اسم الإسلام كان خلفاؤها يتدربون ويعدون علي أكبر وأعلي مستوي في الشريعة والدين أولا ثم الإدارة والحكم والأعمال اليدوية الاحترافية لدرجة أن الصالون الذي صنعه السلطان عبد الحميد بنفسه قبل أن يتولي الخلافة لا يزال وحتي اليوم آية في فن المعمار . فالعلم شرط مهم ، وأنا أقول العلم الذي تقوم عليه روح هذه الحضارة وهو الدين ، وكل قادة العالم اليوم لديهم تمكن من علوم حضارتهم الدينية ، ويستحضرونها في أعمالهم وفي حكمهم حتي لو كان قانون الدولة علماني يفصل بين الدين والكنيسة وليس الدولة ، فالدين يسري في روح الدولة في قراراتها وحياتها كله . وبعد العلم هناك العدالة ومعني العدالة هي الشرط الذاتي فيمين يتولي السلطة أي لا يكون معروفا عنه الظلم ولا العدوان ولا التعالي علي المواطنين ولا يكون معروفا عنه التبذل والفحش الأخلاقي ، ولا يكون معروفا عنه السوء في الخلق ، ولا يكون معروفا عنه الضعف أمام زوجته وأولاده ، العدالة هي شهادة الناس له أنه رجل مستقيم حسن السيرة والمسيرة وله سمعه طيبه ، فإذا فشا بين الناس ظلمه أو تعاليه علي مواطنيه أو سوء سيرته أو كراهية الناس له أو معاناتهم منه فإنه لايكون متوافرا فيه الشروط وفقا للإسلام . ويمكن أن نتصور أن العدالة هي تعبير عن عدم قدرة الحاكم علي إنجاز ما تعهد به لأمته ، فقد يكون متصورا أنه قادرة علي الإنجاز ووعد المسلمين أو مواطنيه بذلك ولم يستطع لأي سبب فإن العدالة هنا تفرض عليه التنازل ليسمح لغيره أن يتقدم ويخوض حتي تتجدد الدماء للأمة . ومبارك يحكمنا منذ عام 1981م ولم تستطع مصر أ ن تحرز أي تقدم أو إنجاز في عصره ، حزب واحد مسيطر علي الحياة السياسية ، انضم إليه كل ذوي المصالح من الانتهازيين والباحثين علي المنافع ولا نعرف عن مصادر ثرواتهم وأموالهم أي شئ . نكتفي بهذا القدر اليوم ، ونكمل غدا في نفس الموضوع . [email protected]