قضت المصريون أربعة عشر ساعة تحت القصف الصهيوني والحرب داخل قطاع غزة، لتنقل معاناة الشعب الفلسطيني وتنقل صور الشهداء والمصابين الذين يسقطون بشكل مستمر فى ظل صمت عربى وتجاهل دولى ... رفح مصر بدأ دخولنا إلى قطاع غزة عن طريق معبر رفح المصري الذى امتلأ عن آخره بشباب وشيوخ مصريين على أبواب المعبر راغبين فى الدخول إلى قطاع غزة، لمساندة أهلهم وأخوتهم من الشعب الفلسطيني المحاصر وبعض الفلسطينيين الراغبين فى العودة إلى فلسطين وسط هتافات "غزة غزة رمز العفة", "على غزة رايحين شهداء بالملايين" , "على في صوت الأر بي جي ضد كلاب السي أى أيه" ,"تسقط تسقط إسرائيل" , "على و على الصوت المقاومة مش هتموت" , "يا فلسطيني دافع دافع حجرك أقوى من المدافع". وسط حضور أمنى مكثف من الجيش المصري، ورفض دخول المتواجدين أمام المعبر إلا أن الضغط من الشباب المصري والحضور الكبير، أجبر القائمين على المعبر على السماح للموجودين بالدخول للمعبر، على أن تكون لديهم جوازات السفر، زاد الضغط من شباب الثورة والقوافل الداعمة للقضية الفلسطينية من أجل الدخول لنصرة الشعب الفلسطيني فسمح الأمن بدخول الجميع إلى داخل المعبر عن طريق بطاقة الهوية وجوازات السفر وعرض علينا عدد من بدو سيناء الدخول عن طريق الأنفاق مقابل 100"شيكل" وهو ما يعادل 120جنيهًا مصريًا، وكانوا يقفون أمام المعبر في انتظار القادمين إلى المعبر أو من لا يسمح له الأمن بالدخول ليعرضوا عليهم تهريبهم إلى داخل القطاع. داخل معبر رفح الفلسطيني دخلنا إلى المعبر في انتظار التعليمات الصادرة من الجانب الفلسطيني حول تفاصيل الزيارة وكيفية التصرف تحت القصف. وأثناء انشغالنا بالحديث، سمعنا صوت انفجار قوي وسقوط صواريخ صهيونية قريبة من المعبر وانقطعت الكهرباء تمامًا وأصيب عدد من المصريين بالهلع الشديد، لكن الفلسطينيين قاموا بطمأنتنا وأكدوا أن الوضع آمن، لكنهم طلبوا منا عدم الخروج من الصالة بأي شكل من الأشكال، وقاموا بإغلاق جميع الأبواب والنوافذ مع الإبقاء على جزء من النوافذ مفتوحًا لتفادي تصدعها نتيجة القصف. بعد قرابة النصف ساعة من القصف عاد الوضع إلى طبيعته وأضاءت أنوار المعبر مرة أخرى، وسألنا أحد ضباط الأمن الفلسطينيين: ألا تخشى موتك أو موت أطفالك؟، وكان لديه طفلان، فكان رده: "الله أعطى الله أخد شو بنسوى"، ورأينا فى أعين ضباط حماس إيمان شديد بقضيتهم، فكلما سألنا أحدهم: هل يفكر في السفر خارج غزة؟ كان يقول: هذا وطننا لن نرحل عنه إلا ونحن أشلاء. وبدأ خالد الشاعر،المسئول عن المعبر في الجانب الفلسطيني، في الحديث إلينا فى محاولة لطمأنة الحضور وأعرب عن سعادته باللقاء، مؤكدًا أن تضامن الشعب المصري مع الشعب الفلسطيني من أهم المقومات والعوامل التي تدعم المقاومة الفلسطينية ونضال الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والقصف الصهيوني. وأكد الشاعر أن الشعب الفلسطيني صامد في وجه الاحتلال وأن القوافل المصرية والدعم الشعبي المصري يزيد من صلابة وصمود الشعب الفلسطيني والمقاومة، مشيرًا إلى وجود إجراءات أمنية وتنسيقية كبيرة بين الجانبين. وقال الشاعر: "حماس تستطيع تأمين الوفد بشكل كبير ويجب على الجميع الامتثال إلى التعليمات الأمنية؛ لأن الوضع صعب للغاية، مضيفًا أنه لولا الضغط الجماهيري للمصريين لما تم السماح لهذا العدد الكبير من المصريين بالدخول". وأضاف "نقدر مشاعر وأحاسيس المصريين ونقابلها بكل الاحترام والود ولكن لدينا إحساس بالمسئولية عنكم". قصف الأنفاق كان الجانب الصهيوني يقصف الحدود بين مصر وفلسطين طوال الوقت بالطائرات تحت، تحت ذريعة هدم الأنفاق التى يتم تهريب الأشخاص والسلاح من خلالها. لكن دوى الانفجارات طال الحدود حتى كان الجميع يخشى من تحطم الزجاج نتيجة للانفجارات الناجمة عن ضرب الطيران الصهيونى. الطريق من رفح إلى غزة اتجهنا بعد ذلك إلى الأتوبيسات الفلسطينية التي ستقلنا إلى قطاع غزة حوالي الساعة الثامنة مساء، وقبل أن تتحرك صعد أحد القادة الأمنيين الفلسطينيين من حركة حماس ليعطينا تعليمات الزيارة وهي: ضرورة الامتثال لتعليمات المرافقين الأمنيين من الجانب الفلسطيني، وتنفيذها في الحال لتأمين الزيارة، وعدم النزول من الأتوبيسات بأي شكل من الأشكال إلا مع المجموعة والمرافقين لتفادي قصف الطائرات. وطالبونا بالامتناع عن التصوير باستخدام الفلاش أو أي إضاءة لتجنب لفت نظر طائرات العدو، وشدد المرافق الأمني على أهمية عدم تخلف أي فرد عن القافلة ومحاولة الانضمام للمقاومة بأي شكل من الأشكال، مؤكدًا أن تلك المحاولات تشكل خطرًا كبيرًا على المقاومين والمصريين على حد سواء، ثم قام المرافق الأمني بسحب جوازات السفر وتصريحات الدخول الخاصة بنا لضمان عودتنا إلى المعبر مرة أخرى انطلقت الأتوبيسات داخل القطاع وكان يرافقنا "حاتم" أحد المرافقين الإعلاميين والذي شرح لنا تفاصيل القصف على غزة والمدن الفلسطينية هناك وتفاصيل ردود حركات وفصائل المقاومة. وقال حاتم: إن القصف على غزة عنيف للغاية -وهو ما رأيناه بأعيننا- لكنه أكد على أن المقاومة صامدة، ومدى الصواريخ الفلسطينية"فجر وإم 75"يصل إلى أقصى مدى داخل الكيان الصهيوني ويرد بقوة على القصف كما نقل إلينا نبأ إسقاط المقاومة لطائرتين صهيونيتين ليصل عدد الطائرات التي أسقطتها المقاومة أربع طائرات، بالإضافة إلى استهداف عدد من سيارات الجيب الصهيونية. كما أكد المرافق الإعلامي على أن طائرات الكيان الصهيوني استهدفت عددًا من المقرات الإعلامية ووكالات الإعلام الفلسطينية والعالمية في برج الشروق . على مر الطريق من رفح الفلسطينية إلى قطاع غزة على طريق صلاح الدين منازل مهدمة مرورًا برفح الفلسطينية إلى خان يونس ثم دير البلح ثم وسط غزة، وسط طريق تقصفه الطائرات الصهيونية طوال الوقت، بيوت مهدمة، وشوارع خالية من الحياة تمامًا، وطائرات استطلاع تحلق على طول الطريق تراقب المسافرين عليه ورأينا أحد المنازل الذي تم قصفه وتسويته بالأرض واستشهد داخله 11شخصًا من عائلة واحدة، "عائلة الزور"، كما دخلنا إلى خان يونس لنرى مدينة ممتلئة عن آخرها بصور الشهداء من كافة الفصائل الفلسطينية وعلى كل بيت صورة لشهيد، لا يوجد بيت واحد دون شهيد. وفور وصولنا إلى رفح الفلطسينية أطلقت البواخر الصهيونية قذائفها باتجاه المنازل هناك ودوي صوت مرعب في أرجاء القطاع. داخل مستشفى دار الشفاء بغزة واستقبلتنا عدد من القيادات الأمنية والتنفيذية من حكومة حماس داخل مستشفى دار الشفاء وعلى رأسهم وزير الصحة الفلسطيني مفيد المخللاتي، ومدير المستشفى. وأكد وزير الصحة الفلسطيني على أهمية الدور المصري في دعم قطاع غزة على المستوى الرسمي والشعبي خاصة دعم القطاع الصحي، حيث إن المساعدات المصرية من أدوية وتجهيزات للمستشفيات لها دور كبير في دعم القطاع، بالإضافة إلى دور الأطباء المصرين الذين يفدون باستمرار للتطوع في المستشفيات الفلسطينية وعلى رأسها مستشفى الشفاء. وأشار المخللاتي إلى أن القوافل المصرية والدعم الشعبي والسياسي المصري لغزة من أهم عوامل دعم قطاع غزة. ووجه وزير الصحة الفلسطيني تحية لمصر وأهلها ولثورة25 يناير التي وصفها ب"المباركة" والتي مهدت لحضور المصريين إلى غزة، مشيرًا إلى أن ذلك لم يكن ممكنا قبل ذلك. وتابع:"بعدما طال الفراق والقطيعة بين الشعبين المصري والفلسطيني عادت مصر مرة أخرى لدعم فلسطين"، مضيفا: نحن وإياكم شعب واحد وتاريخ واحد وأماني واحدة. وأشار المخللاتي إلى أن هذا الدعم من الشعب المصري يمهد للقاء مرة أخرى لتحرير فلسطين من اليهود وتعود كلها عربية، وقال: إن العدوان الصهيوني على قطاع غزة مستمر منذ أيام، مؤكدًا على أن هذا اليوم أشد هذه الأيام ضراوة على أهل غزة حيث تضاعفت أعداد الشهداء. وأضاف أن الصهاينة قاموا باستخدام الطائرات الأمريكية "اف16" لقصف منازل المدنيين وقصف منزل لعائلة الدلو، مات فيه اثنا عشر شخصًا، بينهم أربعة أطفال، وعدد من النساء، لكنه أكد على أن غزة صابرة وقوية ومحتسبة ورافعة رأسها، مضيفًا: "نعدكم أننا لن نذل ولن نخضع ولن نفرط في ذرة واحدة من أرض فلسطين وسنلتقي قريبًا على كل أرض فلسطين". أثناء استقبال المستشفى للشهداء والمصابين والعمليات داخل المستشفى استقبلنا عدد من الممرضين والأطباء داخل المستشفى واصطحبونا إلى قسم العمليات للتعرف على الوضع هناك، حيث تجرى باستمرار عمليات سريعة وخطيرة لمصابي القصف؛ لإنقاذ حياتهم من الموت، وكان هناك حالة طوارئ قصوى خارج وداخل غرفة العمليات، وبالرغم من ذلك كانت وجوه الأطباء والممرضين يبدو عليها حالة من الهدوء والطمأنينة والرضا وحالة من الفرحة الشديدة مع كل مصاب يتم إنقاذ حياته وتتخللها حالة من الصمت والحزن مع كل شهيد داخل غرفة العمليات. لم يكد ينتهي هذا المشهد حتى هز دوي انفجار شديد بالقرب من المستشفى جميع النوافذ لتتطاير الشظايا داخل المستشفى وتبين بعد ذلك أنه أحد المنازل تم قصفها في حي قرب المستشفى عن طريق طائرات"اف 16" التي تستخدم قنابل اليورانيوم المخصب شديد الانفجار والتي يصل وزنها إلى طن أو طن ونصف، مما يؤدي إلى انهيار المبنى بالكامل وإصابة كل من فيه. وهرعت سيارات الإسعاف لجلب الضحايا والمصابين والذين دخلوا إلى قسم الطوارئ والاستقبال وكان منهم مصابين وشهداء في مشهد يتكرر باستمرار داخل المستشفى. اصطحبنا أحد الممرضين إلى قسم الطوارئ والاستقبال في المستشفى في الساعة الثالثة فجرًا، واشتد القصف في الليل على المنازل. المشهد في الداخل أصعب مما يمكن وصفه، حيث كان هناك شهداء ومصابين في كل مكان على الأسِرة وعلى الأرض، مصاب أو شهيد يدخل كل دقيقة إلى غرفة الطوارئ التي لا تتعدى بضعة أمتار. صوت العويل والبكاء والأوجاع لا ينتهي ومشاهد الدماء والأشلاء في كل مكان، وأبرز ما يمكن ملاحظته هو العدد الكبير من الأطفال والنساء الذين يدخلون إلى المستشفى في كل دقيقة إما مصابين أو شهداء. الأطباء يؤكدون استخدام أسلحة محرمة دوليًا قال أحد الأطباء: "عدد الإصابات كان أكثر بكثير فى الحرب السابقة فقد كانت الإصابات بالآلاف فى الحرب السابقة أما الآن تصل الإصابات إلى 200إصابة يوميا". وأشار أحد أطباء الاستقبال وسط أصوات الانفجارات إلى أن الوضع فى القطاع خطير وغير آمن نظرًا للقصف البحري المستمر. وأضاف الطبيب، أن أجساد المصابين امتلأت بالشظايا وبعض الأجساد قطعت بالكامل، مؤكدًا أن هناك الكثير من الأدلة على استخدام الصهاينة للأسلحة المحرمة دوليًا، مشيرًا إلى أن المصابين وصلوا إلى قرابة المائة مصاب فى اليوم الواحد. أم شهيد قالت أم أحد الشهداء داخل أروقة مستشفى دار الشفاء: إن اليهود قاموا بقصف منزلهم فسقط ابنها وزوجها وابنتها شهداء، وقالت: "بدهم إيانا نموت لأنا صامدين فى دارنا". وأضافت: "بدهم شو منا نحنا صامدين حتى إذا سقطت البيوت علينا". مدينة غزة "المدينة الصامدة" صامتة ليلاً بلا أى أصوات لمواطنين أو حركة أغلقت كافة الأسواق لا حياة فيها ليلا سوى صوت الانفجارات التي تدوي فى كافة أرجاء القطاع و سيارات الإسعاف المنتشرة لا تسمع فقد اعتاد أهل غزة على إغلاق كافة المحلات الساعة السادسة مع صلاة المغرب، خوفا من وجود أى إضاءة حتى لا يسقط شهداء ومصابين جدد. وفي الصباح تعود الحياة مرة أخرى إلى القطاع وتبدأ الأسواق في العمل منذ الساعة السادسة صباح كل يوم، لنرَ المحلات تفتح أبوابها ويتحرك الناس في الشوارع لا يخشون قصف الطائرات على الرغم من استمرار القصف فى الصباح، إلا أن الجميع كان يتعامل مع الأمر بشكل طبيعي وتلقائى تمامًا كما لو كانت المدينة غير ممتلئة بالشهداء والموتى وتحول القطاع إلى مدينة من المبتسمين المملوئين بالتفائل بالنصر القريب يستقبلون الوفود القادمة لدعمهم بالابتسامة والإشارة لهم بعلامات النصر . بدأ التحرك للعودة وسط أجواء من الرعب بدأت رحلة العودة بعدما طالبنا رجال الأمن المسئولين عن تأميننا ترك المستشفى والتوجه للأتوبيسات، وأثناء خروجنا قامت بعض الطائرات الصهيونية بإطلاق صواريخ قريبة منا على اليمين واليسار مما استدعى المرافقين الأمنيين سرعة توجيهنا إلى الأتوبسات والتحرك بسرعة لنبتعد عن القصف. بدأنا التحرك فى أسرع وقت للعودة إلى المعبر نظرًا لخطورة الوضع داخل غزة واشتداد القصف حتى كان دوى الانفجارات يهز زجاج الأتوبيسات التي نستقلها ونرى أعمدة اللهب المشتعلة فى الأجواء. بدأت أتوبيسات الوفود بالتحرك وسط حالة من الهلع الشديد وتحرك أمنى مكثف إلى جوارنا من قبل حكومة حماس واتصالات دائمة على أجهزة اللاسلكى، لمعرفة أماكن القصف وسط تعليمات بعدم التوقف أو النظر إلى الوراء أو انتظار أتوبيسات أخرى وليسلك كل أتوبيس طريقه ليصل إلى المعبر. وتحركت الأتوبيسات وسط قصف شديد حول الأماكن التى نمر منها ونشاهد أهالى القطاع يودعون القافلة الشعبية حتى خرجت إلى الصحراء والقصف يشتد على التلال حولنا والأتوبيسات تسرع إلى المعبر آملة فى خروج آمن للوفد مع متابعة لإذاعة صوت الأقصى لمعرفة أماكن القصف. وفور وصل الرحلة إلى المعبر زاد صوت الانفجارات فى الأماكن المجاورة وقيل: إن القصف يستهدف الأنفاق التى تربط القطاع بالجانب المصري.