أنْ تُدْخِل فكرك وقناعاتك فى قالب مدعوم ببراهين الدين وحججه فأنت ترهب خصمك باسم الدين وتفرض سلطة دينية فى حوارك! أن تستدل بالدليل الموحى به من السماء فى مقارعة مجادلك فأنت تزعم اختزال الحقيقة فى رأيك فأنت ظلامىٌّ حوشىُ المظهرِ والمخبر هبط من القرون الوسطى إلى مدنيةٍ فيحاء يبْرُقُ ألَقُهَا ووميضها ويتسلط على الأبصار حتى تعْشى! كثيراً ما يعيب المثقفون المناهضون للفكرة الإسلامية على من تبنى نصرة الهوية الإسلامية فى كتاباته فكرةَ الصراعِ فى الحوارات والتنظيرات و محاربة الدين من قبل غيره ،أو استحضار الجزاءات الأخروية والتهويل بها على المخالف الشانىء للفكرة الإسلامية !؛ فمثلا يستنكرون فكرة " اعتقاد الغُرْبة" وسط الأفكار المضادة ويمثل ذلك إهانة كبرى لدى قطاع عريض منهم ، لكن تلقَّف هذه منى يا صديقى: يقول الدكتور جهاد عودة فى كتابه " ثقافة الدولة الليبرالية" ص74 وهو يصف طه حسين ( الرَّجلُ العظيمُ القابضُ على جَمْرِ العقلانية!) فهل للعقلانية جمرٌ تقبض الأيادى عليه ؟! إنها معانى الغربة والتفرد والثبات على الفكر والمعتقد التى يتأنقون فى إنكارها ووسمها بكل نقيصة إذا ما جاءت فى كتابات غيرهم !. كم من معارك كلامية أقيمت ، وكم من صراخ وعويل على تلفظ الشيخ أسامة بن لادن _رحمه الله_ بلفظ" الفسطاطين" حتى صار استحضارك للفظ مثلا فى محاضرة أو مقال دليلا كافيا على تبعيتك الأيديولوجية لتنظيم القاعدة ! ، وخذ هذه ياصديقى : يقول د جهاد عودة فى نفس كتابه ص 83 وهو يتكلم عن مؤلفات جابر عصفور: ( يطرح عصفور تصوراً بأنَّ كلَّ الأجناس الأدبية فى الثقافة العربية تأخذ من بعضعها البعض، بل ورغم تحول الأشكال يظل الصوت واحدا، مع الاختلاف فى التقنيات الفنية، وهذا التصور يقول لنا إنَّ الصراع ليس بين قوى عدة فى المجتمع والدولة تتراوح تدريجيا بين التنوير والتخلف، بل بين فسطاطين:. فسطاط التنوير والانفتاح على الحضارة الإنسانية من ناحية ، وفسطاط التخلف والانغلاق والقمع والاتباع والتهوس بالماضى والعنف والعداء للآخر من ناحية أخرى . هذان الفسطاطان ليسا فى وضع السكون ، كخطين ثابتين مرسومين على الأرض وفى النفس ، بل هما خطان ملتويان فى صراع حيوى وجدلى ) أمَّا عن الألفاظ الحربية القتالية فلا مكان لها فى صراعنا التنويرى الحضارى ؛ هكذا قال دهاقين بنى علمان ، وكم من "مناحات" و"لطميات" شيدوا صروحها ثم هدموها على رؤوس من أجرم واستخدم هذه الألفاظ فى تعابيره وتراكبيه ، أيليق أن يقول كاتبٌ مسلمٌ: نحن فى معركة مع الحداثة؟! أيعقل أن يقول داعيةٌ مسلم : إنَّ الحرب على الإسلام لن تنتهى ؟! إنها لإحدى الكُبَر يا أستاذ عمر ! يقول جهاد عودة فى كتابه " ثقافة الدولة الليبرالية ص74_75)فإذا كنا خسرنا معركة التنوير الثانية بسبب السلطوية السياسية والانبعاث الأصولى المصرى تعويضا عن سقوط الامبراطورية العثمانية العنصرية، فلا يجب أن نخسر معركة التنوير الرابعة التى يقودها جابر عصفور، وطائفة عالية الثقافة والهمة من المثقفين المصريين ، علما بأن المعركة الثالثة والتى تمت خسارتها أيضا هى معركة كتاب" الإسلام وأصول الحكم" للشيخ على عبد الرازق) وهكذا هم من حيث "اللفظ" يحلونه عاماً ويحرمونه عاما ؛ فإذا جاء من مهيعهم فهو المُعبّدُ اللاحبُ السَّليكُ ، وإذا ما جاء من درب غيرهم ؛ فحدث ولا حرج عن شَوْكِه وعقابيله وحُفَره! هذا من حيث اللفظ فماذا عن المعنى ؟ المعنى باختصار شديد يا عزيزى أن يدور عقلك دورته الكبرى بلا قيد ولا ضابط ولا رابط !؛ أوليس من حقه أن يعبِّر أم تريدون للعقول أن تظل أسيرة أفكار ظلامية ؟! فلك أن تقبل يا صاح حجَّ الدكتورة إقبال بركة بلاحجاب ثم قولها إنها تحتجب للرب وليس أمام العبد ! ولك أن تقبل يا صاح تصريح الكاتبة فاطمة ناعوت بقبولها تزويج ابنتها المسلمة من مسيحى ، لكنها قلقةٌ جدا على حيرة الأولاد بين الإسلام والمسيحية ، لكنها تؤكد بحزم أنها ستدع لهم مطلق الحرية فى الاختيار! هكذا أنت يا صديقى ضيق الأفق والعطن !؛ أوما علمتَ ما سطرته يمين العقلانى الكبير بلال فضل حينما دار عقله دورته الحلزونية المشهورة فأتى بمحارات العقول ومحالاتها فى آن واحد فقال : ( من هو الأبله الذى يتصور أنَّ الله خلق مليارات البشر لكى يلعبوا دور الكومبارس فى تمثيلية مشهد النهاية فيها أن يدخل المسلمون فقط إلى الجنة ) إنَّه جَمْرُ العقلانية يا صديقى لا يحرقُ الاكفَّ والأيدى ، بل يحرقُ العقول والفهوم والأفئدة !. أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]