عجيب أمر هؤلاء النخب أو من يطلقون على أنفسهم بهذا اللقب بهتانا وزورا، وعجيب أيضا أمر عدد من ذوات الكادر الخاص أو المؤسسات القوية المنتشرة فى طول البلاد وعرضها، فهناك العديد من الجهات والفئات التى ترغب كل منها فى عمل دستور تفصيل على مقاس أعضائها ومصلحة أعضائها فقط، وليذهب الآخرون إلى الجحيم، لا يهم طالما أن هذا سيحقق لهم مصالحهم، ولكن من سوء حظ تلك الفئات أن الدساتير لا تكتب بهذه الطريقة، فالدساتير تشمل أحكاما عامة تحدد ملامح الدولة وحدودها وهويتها والحريات العامة للمواطنين والحفاظ على وحدتها من التفتت أو التشرزم الذى تؤسس له النخب أو المؤسسات والهيئات المستقلة فى الدولة فى هذه المرحلة الحاسمة، فالمهم ليس من يكتب الدستور ولكن المهم ما يكتب فى الدستور. إذاً هناك جهات أو فئات ترغب أن يكون لها وضع متميز فى الدستور، والغريب أن أقوى ثلاث جهات فى الدولة وهم الجيش والشرطة وأعضاء هيئة التدريس لم نسمع لهم أى اعتراض على أى شىء فى الدستور، وإن دل ذلك فإنما يدل على وعى هذه الجهات وإعلاء مصلحة الدولة العليا قبل مصالحهم الخاصة، على النقيض أصبح نادى القضاة طرفا سياسيا فى اللعبة السياسية، نافيا عنه صفة الحيادية، وأصبح يتزعم المعارضة ويقف بجانب كل من هم عليهم علامات استفهام كبيرة مما ضرب مصداقية العدالة فى مصر فى مقتل، وأصبح العديد من الناس لديهم شكوك كبيرة فى الأحكام التى سيصدرها بعض القضاة بعد ذلك، وبالتالى سيحدث هذا شرخا كبيرا فى مصداقية العدالة، وليس أدل على ذلك من مقابلة النائب العام محامى الشعب لبعض المعارضين سياسيا والمحسوب كثير منهم على النظام السابق، وقبله وقف رئيس النادى نفسه يساند ويؤازر مقدم برامج من برامج المصاطب محكوم عليه بالسجن ومرفوع عليه كم من القضايا، والتى إن خرج من واحدة وقع فى التى تليها، وهذه الأحاديث مسجلة صوتا وصورة. لذلك لابد أن يكون هناك وقفة جادة وحاسمة من القضاة أنفسهم وتصحيح الخطأ الذى بدر من بعضهم ونحسبهم جميعا شرفاء ولا نشكك فى أى واحد منهم مهما حدث، لأن القاضى لا سلطان عليه إلا ضميره وربه، فهم خلفاء الله فى الأرض حتى وإن حدثت بعض التجاوزات هذه واحدة، الأمر الآخر هو أنه بعد قيام ثورة 25 يناير، والمفروض أنه انتهى وبلا رجعة تقديس أو تأليه أى شخص فى هذا البلد كائنا من كان، فالكل أصبح سواسية أو هكذا يجب أن يكون الكل فى هذا الوطن شركاء، كل له حقوق وعليه واجبات، صحيح أن هناك كثيرا من الناس هضمت حقوقهم ولم يستردوها إلى الآن بفعل النظام السابق وهم أغلبية هذا الشعب، وقليل لم يكتفوا بأخذ حقوقهم فقط بل استولوا على حقوق غيرهم بالباطل، وقد يسأل البعض كيف ذلك، وأنا هنا لا أتحدث عن الأموال والأراضى التى نهبت وسرقت، بل حتى على الوظائف العامة والخاصة وقد لا يصدق البعض أنه فى بعض الأماكن الحكومية تجد الجد والجدة والابن والابنة وزوجة الابن وزوج الابنة والأحفاد فى نفس المكان، ولمن يريد أن يعرف الحقيقة يسأل فى الجامعات وكليات الطب تحديدا ووزارة البترول والكهرباء والخارجية والشرطة والقضاء، باستثناء الإناث فى الأخيرتين، تجد التوريث فى الوظائف الحكومية استولى على حقوق المتفوقين من الفقراء والذين ليس لهم واسطة. هذا الزحف غير المقدس فى كل مفاصل الدولة لابد أن ينتهى وبغير رجعة ولا بد أن تقنن هذه الأمور حتى ولو بصدور قوانين تمنع الابن من الالتحاق بنفس الوظيفة التى يشغلها أبوه فى نفس المكان، ولابد أن تنتهى الوظيفة الأبدية التى لا تنتهى إلا بموت صاحبها أو خروجه الى سن التقاعد، ولذلك لا بد للدستور أن يتفق مع شريعة الله ولا يخالف القرآن أو السنة النبوية فى شيء وليعترض من يعترض، لأن هناك فئة تستقوى بالخارج وعملاء الداخل، لا تريد أن ينتهى الدستور فى موعده لإحراج الرئيس وإشغاله فى مشاكل فرعية، ومن ثم لا يتنبه للقضاء على الفساد وإجراء تقدم حقيقى فى البلاد حتى يسهل لهم إسقاطه كما يتمنون، ولكن هيهات، فالجميع كشفهم وكشف فضائياتهم الهوائية ولصالح من يعملون وهم يعون جيدا أنه بانتهاء الدستور والتصويت عليه ستكون نهايتهم السياسية وبلا رجعة، ويؤسفنى جدا أن منهم من ضحك علينا طويلا وظننا أنهم وطنيون. ولذلك لعبة دستور لكل مواطن لم تنطل على أحد، لأنه لو ترك الأمر فإننا نريد أكثر من مائتى دستور حتى نرضى كل الفئات، ونعمل دستورا للفلاحين وآخر للعمال وواحدا للعاملين فى الكهرباء والعاملين فى الصحة، والشرطة وأمناء الشرطة والجيش وأعضاء هيئة التدريس والمدرسين والمحامين والقضاة وموظفى وزارة العدل، ودستورا لأهلنا فى سيناء والنوبة وآخر لأهل مطروح، وهكذا سلسلة من الدساتير ويصبح لزاما علينا عمل دستور لكل مواطن أو ما يسمى دستور الجيب (Booket Dostour)، وهكذا ندخل فى دوامة لا نهائية من الفوضى الدستورية لا تنتهى ولا حتى بعد عشر سنوات، وبالتالى إلى كل الغيورين على هذا الوطن والمخلصين له أن تقفوا بجوار اللجنة التأسيسية حتى تنهى عملها بنجاح، وللمعترضين من أجل الاعتراض رفقا بهذا الشعب فلا تلعبوا على إثارة الغرائز والنعرات التى لن تجدى فى مصر، مصر بلد التوحيد والأزهر والكنيسة والشعب الواحد لن تجدى محاولات الفرقة البائسة التى يحاول قلة تحارب أى بادرة للنجاح زرعها، وتذكروا دائما أن من يزرع الشوك يجنى الجراح والألم. وأخيرا كلمة إلى أعضاء اللجنة التأسيسية، وعلى رأسها الأستاذ المحترم المستشار حسام الغريانى: لقد أديتم واجبكم وتحملتم الكثير حتى وصلتم إلى ما نجده بين أيدينا الآن، بارك الله فيكم جميعا ولكم التحية. [email protected]