لم يكن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه وأرضاه صادقا وموضوعيا وعمليا عندما أطلق هذا الدستور قائلا: والله لو عثرت دابة فى العراق لخشيت أن يسألنى الله عنها، لمَ لم أمهد لها الطريق؟ أم أن مثل هذه المقولات (الدستورية الحاكمة لمنهج المسؤولية والعلاقة بين الحاكم والرعية) لم تكن من عمر بن الخطاب سوى خطاب لدغدغة مشاعر المواطنين ثم صارت من روائع التاريخ؟! التاريخ هو الذى يحكم على مصداقية عمر بن الخطاب.. والتاريخ يذكر أن عمر كان يتحمل مسؤولية إطعام امرأة وصغارها فى جوف الليل ولو لم يكن هو المسؤول المباشر عن حاجتها وعوزها!! لأنه يدرك أنه المسؤول الأعلى الذى سيحاسبه الله تعالى. فإذا أردت أن أناقش المسؤولية عن حادث قطارى الفيوم نموذجا للكوارث التى يعانى منها الوطن والمواطن (الطرق والدواب والبشر والشجر والبيئة)، فأنا أدرك تماما مجموعة من البديهيات التى لا خلاف عليها مثل : أن الرئيس مرسى ورث تركة فى غاية الصعوبة والتراكمية الفسادية.. الرجل لم يبتدع عجلة الفساد لكنه ورثها هكذا على حالتها. إن الإصلاح المنشود لن يأتى بين عشية وضحاها وإن طريق الإصلاح شاق وطويل ويحتاج إلى صبر طويل.. لكنه يحتاج إلى جهد دؤوب وعمل أكثر. إن بعض أعوان النظام السابق وبعض رجال الدولة (الغويطة على رأى بلال فضل) وكثيرا من أصحاب المصالح المباشرة والمستفيدين من استشراء الفساد – دون أن يكون لهم أى ميول سياسية أو تماس مع النظم الحاكمة – ما زالوا يحتلون مواقع حساسة وهامة فى دولاب عمل الدولة المصرية. إن ملف حوادث قطارات السكك الحديدية على وجه التحديد قديم عمره عشر سنوات على الأقل وإن الإحصائيات تشير إلى أن واقع الحوادث بمعدل عشر حوادث لكل شهر خلال هذه السنوات العشر.. أى أن الملف ليس مستجدا على الساحة المصرية. إن هناك طوائف من المتربصين الذين يدعمون إسقاط وإفشال الرئيس ولو أدى ذلك إلى ضياع الوطن كله نكاية فى التيار السياسى الذى أتى بالرئيس أو حقدا على نجاح لم يتحقق لهم أو عداء للمرجعية ذاتها. أعلم كل هذا، ولكن هذا لا ينفى مسؤولية الدكتور مرسى المباشرة وغير المباشرة عن كوارث من أمثال كارثة قطارى الفيوم.. إن سرعة التغيير والتطهير داخل الدولة العميقة هى فى لب الاختصاصات المباشرة للرئيس.. بل إن الرئيس الذى طرح نفسه فى انتخابات رئاسية على الشعب المصرى باعتباره مؤهلا لتحمل مسؤولية هذا الشعب، والتيار الوطنى المخلص الذى دعمه فى هذه الانتخابات وروج لانتخابه باعتباره مشروعا متكاملا وليس مجرد فرد مهما كان للفرد من كفاءة وقدرات وكاريزما.. كانوا على دراية بكل ملفات الفساد وخريطة الكوارث فى مصر.. والمفروض أنهم طرحوا أنفسهم لتحمل المسؤولية وفى جعبتهم خطط جاهزة وقابلة للتنفيذ للإصلاح العاجل لوقف نزيف الوطن والمواطن.. المشاكل لم تستحدث بعد رئاسة الدكتور مرسي، ولم يفاجأ ولم نفاجأ معه بهذه النوعية المتربصة القائمة على دولاب العمل الإدارى فى الدولة.. بل الرجل والجماعة والحزب والتيار والأنصار الذين طرحوه على الشعب، طرحوه على أساس أنه قادر على مواجهة الكوارث والمافيا الصانعة لها والمتسببة فيها.. والشعب الذى اختاره، اختاره على هذا الأساس.. ولاشك عندنا فى أن طريق الإصلاح الكامل والنهضة الشاملة طريق طويل.. لكن من البديهى أيضا أن وقف نزيف الأرواح لابد أن يكون آنيا، وأن يكون فى أولى أولويات الرئيس ونظامه.. وقف نزيف الأرواح الذى لا يمكن أن يتم تأجيله إلى أن يتم إعادة هيكلة وزارة أو إدارة أو قطاع. ورغم هذه البديهيات وقعت الكارثة ولم تكن الأولى – وإن كانت الأبرز – فى عهد الرئيس مرسي.. فكنت ومازلت أطمح أن تكون المعالجة – على الأقل – مختلفة ومغايرة تماما لمعالجات النظام السابق أو النظام الساقط بحكم الشعب.. فإن لم تتح ظروف الدولة إصلاح منظومة السكك الحديد بعد.. فعلى أقل تقدير مطلوب جدية وسرعة التحقيقات فى الحادث وملابساته، وسرعة تواجد المسؤولين على أعلى مستوى وبمن فيهم الدكتور مرسى نفسه فى مكان الحادث وزيارة الضحايا والمصابين وذويهم وسرعة صرف التعويضات بشكل إنسانى لا يهدر كراماتهم فى دوائر الروتين البشعة.. وتقديم التعازى الواجبة، بل لو أدى الأمر – وهذا مستحسن جدا – إلى إعلان حالة الحداد العام فى الدولة لفقد مواطنين أبرياء فى حادث حكومى – حادث حكومى لأن المركبة التى حدثت فيها وبسببها الحادثة تابعة لقطاع ملك الحكومة - إجراءات كثيرة وجذرية وحاسمة وعاجلة وثورية يجب أن يتخذها الرئيس مرسى ومؤسسة الرئاسة وحكومة الدكتور قنديل فى أعقاب كارثة قطارى الفيوم لندرك حقيقة أننا ودعنا نظام المخلوع، ونخطو ولو ببطء شديد إلى نظام يضع (دستورية عمر بن الخطاب) موضع التنفيذ الحقيقى. أخى الحبيب الرئيس مرسي.. إنها لم تتعثر دابة ولكن فقدت أرواح، ولم تكُ فى العراق بل كانت فى الفيوم على بعد بضعة كيلو مترات قليلة من مقر حكمك.. فلا تأمن أن يسألك الله تعالى عنها يوم القيامة.. كما لا نأمن نحن من حساب الله إن لم نقل لك تأسيا برعية عمر رضى الله عنه: اتق الله فينا يا رئيس مصر! [email protected] أرسل مقالك للنشر هنا وتجنب ما يجرح المشاعر والمقدسات والآداب العامة [email protected]