الأنانية هى الإغراق فى حب الذات والرغبة فى تحقيق وتعظيم منافع شخصية على حساب الاَخرين، وعادة ما تعبر الأنانية عن نفسها من خلال السعى المحموم لقضم أكبر قدر من المكتسبات وتعظيمها على حساب الآخرين، وتؤثر الأنانية تأثيرًا سلبيًا على تماسك المجتمع وتهدد سلامته، على عكس الإيثارية التى تزيد من تماسك المجتمع وتقوى وتدعم السلام الاجتماعى، وعادة ما يتستر الأنانى خلف مبررات أخلاقية وقانونية واهية لتبرير أفعاله وتصرفاته. لقد أثيرت خلال الأسبوع الماضى قضية خفض سن التقاعد للقضاة من سن ال70 إلى سن 65، وهذا التصويب يمثل مطلبًا ثوريًا ملحًا حتى يشعر الناس فى مصر أنهم كلهم أمام الدستور والقانون سواسية، إذ بأى منطق يتقاعد المعلم والطبيب وخطيب المسجد.. وهم كلهم أصحاب أدوار حيوية ووطنية ذات قيمةعند سن الستين ويستمر القضاة فى تحصيل الحوافز والمكافآت والبدلات إلى سن السبعين، بل إننى أطالب بأن يتم خفض سن التقاعد إلى سن 60عامًا وليس 65 لفتح منافذ الأمل وتوفير وظائف للشباب. يقول بعض القضاة إن المطالبة بخفض سن تقاعد القضاة نوع من التدخل فى السلطة القضائية، وأنا أقول إن سن التقاعد ليس شأنًا خاصًا بالسلطة القضائية إنه أمر عام يخص المواطن المصرى أيًا كان موقعه الوظيفى، إذ بأى عدل وبأى منطق يتميز القضاة عن غيرهم من أبناء الوطن، إن الدستور والقانون ليس كتابًا مقدسًا، وإنما هو عقد اجتماعى يتعين أن يتغير ويتبدل ويتطور ليناسب التطورات الاجتماعية، ولا شك أن السادة القضاة يعلمون أن أحد أهداف ثورة يناير هو تحقيق "العدالة الاجتماعية"، ولا أتصور أن يكون هناك حراك نحو تحقيق ذلك "الهدف الحلم" دون مساواة جميع الموظفين المصريين فى سن التقاعد، فلا داعى إلى رفع شعار "التدخل فى السلطة القضائية" و"عزل القضاة" كلما ظهرت رغبة وإرادة مجتمعية لتصحيح وتصويب ما أفسده الدهر، ولو أعطينا الحرية لكل فئة من الموظفين والعمال لتختار وتحدد سن التقاعد الذى تراه مناسبًا لها فربما رأت التقاعد عند سن 80عامًا، إذ كلما تقدم الإنسان فى العمر ازداد تشبثًا بمكانته الوظيفية وذلك للتمتع بالمردود الاجتماعى والاقتصادى لوظيفته. وقد يقول قائل: إن النزول بسن التقاعد للقضاة سيؤدى إلى إحالة عدد من القضاة للتقاعد، مما سيؤدى إلى قلة عدد القضاة، وهذا سيترتب عليه بطء التقاضى وعدم تحقيق العدالة الناجزة، ذلك مردود عليه بأن عدد القضاة كافٍ لتحقيق العدالة الناجزة، بل بالعكس إن إحالة عدد من القضاة للتقاعد سيفتح الباب لتعيين مئات وربما آلاف من الشباب النابهين الذين ينتظرون الفرصة على أرصفة البطالة، ولا شك أن تعيين المئات من الشباب هدف نبيل يتعين ألا يقف أحد فى طريقه متزرعًا بدعاوى يوقن هو فى قرارة نفسه أنها ليست حقيقية. واقع الحال أن إصرار بعض القضاة على التشبث ببقائهم فى العمل حتى سن السبعين لا يقف وراءه الحفاظ على الخبرات القضائية المتراكمة ولا الدفاع عن استقلال السلطة القضائية ولا الخوف من بطء التقاضى، إن تشبث بعض القضاة بالبقاء فى العمل حتى سن السبعين دون جميع المواطنين المصريين يقف وراءه أنانية مفرطة ورغبة فى تحصيل الأموال والامتيازات. إننى أربأ بالسادة القضاة أن يتمترسوا خلف مكتسبات قانونية ظالمة تنطق بالتمييز الجائر، وأن يرتضوا لأنفسهم أوضاعًا ليس لغيرهم من بنى وطنهم، إننى أدعوهم لأن يكونوا صادقين مع أنفسهم وضمائرهم وأن يبادروا إلى تقديم مقترحات دستورية تساوى بين المواطنين فى الحقوق كما هم متساوون فى الواجبات، إننى أدعوهم إلى أن يتطهروا من أنانيتهم وأن يسموا فوق الدفاع عن مصالح شخصية ضيقة. السادة القضاة: كلنا أخوة فى الوطن فلا تقبلوا تميزًا علينا لأن ساعتها لن نصدق أنكم حراس العدالة!!. [email protected]