تسبب البيان الذي أصدره المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي قضاة مصر لتهنئة الرئيس مبارك بالفوز في انتخابات الرئاسة ، في حدوث انقسام كبير في صفوف القضاة ، ففيما أعتبر البعض أن البيان تسرع في إسباغ الشرعية على الانتخابات وأنه كان يجب الانتظار حتى صدور التقرير الذي تعده اللجنة التي شكلها النادي لتقييم الانتخابات ، رأي آخرون أن البيان ليس برقية تهنئة ولكنه بيان يؤكد على مطالب القضاة في الإصلاح القضائي وحرصهم على أن تكون الانتخابات البرلمانية المقبلة أكثر نزاهة وشفافية من انتخابات الرئاسة . وجاء في البيان ، الذي حمل توقيع المستشار زكريا عبد العزيز رئيس نادي القضاة ، أن " قضاة مصر يهنئون أمتهم بإجراء أول انتخابات في تاريخها والتي أتسمت رغم بعض السلبيات بنزاهة تسمح بالاطمئنان إلى سلامة نتائجها حسب شهادات الزملاء الذين شاركوا في الإشراف عليها والذين قاموا بمتابعتها وسيعلن النادي تقرير لجنة تقييم التجربة بإيجابيتها وسلبياتها بقصد إحكام الإشراف القضائي على الانتخابات النيابية القادمة " . وأوضح البيان أن القضاة " يهنئون السيد رئيس الجمهورية بثقة شعب مصر العظيم ويتطلعون إلى أن تكون الانتخابات النيابية الوشيكة أكثر شفافية وأحكم تنظيما وأن تحافظ أجهزة الأمن على حيادها ، ويتطلع قضاة مصر إلى أن يبادر السيد رئيس الجمهورية بإصدار مشروعهم لتعديل قانون السلطة القضائية وإنهاء حالة الطوارئ وإلغاء المجلس الأعلى للهيئات القضائية والمدعي العام الاشتراكي ومحاكم القيم ومراجعة قانون الإجراءات الجنائية لضمان حريات المواطنين " . وقد وجه المستشار محمود مكي نائب رئيس محكمة النقض انتقادات حادة لموقف المستشار زكريا عبد العزيز ، معتبرا أن صدور برقية تهنئة من النادي للرئيس مبارك يعد أمراً غريبا ومستهجنا وغير منطقي ، فالبرقية جاءت متعجلة ، كما أنها تعد إسباغا للشرعية على الانتخابات الرئاسية رغم أن نادي القضاة قرر تشكيل لجنة لتقييم هذه التجربة من حيث السلبيات والايجابيات . وأوضح مكي ل "المصريون " أنه كان من الأجدى الانتظار حتى تنتهي هذه اللجنة من أعمالها ، واصفا بيان النادي بأنه غير موفق جملة وتفصيلا ، حيث إن التوقيت غير ملائم تماما للأحداث والتطورات التي تمر بها مصر ، كما أن إعطائها طابعا عاما كأنها صادرة عن عموم أعضاء نادي القضاة يعد افتئاتا على الحقيقة ، فهذه البرقية معبرة عن رغبة رئيس النادي فقط وليس عموم القضاة . وكشف نائب رئيس محكمة النقض عن تعرض القضاة لضغوط شديدة تطالبهم بالتمهل في إصدار تقريرهم حول تقييم انتخابات الرئاسة ، لافتا إلى أن هذه الضغوط تأخذ شكل الرجاء تارة وشكل الوعود تارة أخرى ، خاصة من جانب وزير العدل الذي يطالب القضاة بالتمهل قبل إصدار مواقف ضد النظام . ورغم هذه الضغوط ، توقع مكي أن تستجيب الحكومة لمطالب القضاة فيما يخص قانون السلطة القضائية ، مؤكدا أن القانون الحالي غير دستوري ولا يؤمن للقضاء استقلالا كاملا ، والحكومة لا تستطيع من جانبها تحمل مسئولية هذا العوار السياسي والدستوري . ولم يستبعد رئيس محكمة النقض إمكانية قيام الحكومة بإضافة بنود فضفاضة إلى قانون السلطة القضائية ، الذي أعده نادي القضاة ، تقيد من استقلال القضاء وتخدم مصالح الحكومة والنظام . لكنه شدد على استمرار القضاة في مساعيهم المطالبة بالإصلاح وضمان إجراء انتخابات برلمانية عادلة تكون معبرة عن إرادة الشعب . من جانبه ، اتفق المستشار محمود الخضيري رئيس نادي قضاة الإسكندرية ، الذي شهد انطلاق الشرارة الأولى للحركة القضائية المطالبة بالإصلاح ، مع وجهة النظر السابقة ، لكنه شدد على أن بيان التهنئة هو مجرد إجراء روتيني رسمي لا يعكس وجهة نظر أو رأي القضاة في مدى نزاهة العملية الانتخابية ، مشيرا إلى أن القضاة مستمرون في إعداد التقرير الذي يرصد مظاهر انتهاك القانون والدستور التي شابت انتخابات الرئاسة . ونفى الخضيري ل"المصريون" بشدة ما يتردد من أن النظام نجح في اختراق صفوف القضاة ، مؤكدا أن القضاة مستمرون في كفاحهم من أجل الإصلاح القضائي من خلال إقرار قانون السلطة القضائية وتحقيق الاستقلال التام والكامل للقضاة . وحول الجهود التي يبذلها القضاة لضمان نزاهة الانتخابات البرلمانية المقبلة ، شدد رئيس نادي قضاة الإسكندرية على أن انتخابات مجلس الشعب المقبلة هي الاختبار الحقيقي للنظام ، مؤكدا أن القضاة سيأخذون بعين الاعتبار التجاوزات والانتهاكات التي حدثت في انتخابات الرئاسة لتجنب تكرارها في انتخابات البرلمان . في المقابل ، رأى المستشار أحمد مكي نائب رئيس محكمة النقض ورئيس اللجنة المكلفة بتفعيل قرارات الجمعية العامة لنادي القضاة أن ما صدر ليس برقية تهنئة ولكنه بيان يؤكد على مطالب القضاة في الإصلاح القضائي وحرصهم على أن تكون الانتخابات البرلمانية القادمة أكثر شفافية ونزاهة ويحمل البيان مطالب مصر كلها. وأشار مكي إلى أن البيان يحمل تأكيدات بأن العملية الانتخابية شابها العديد من السلبيات وستكون موضع تحقيق أو تقييم للجنة التي شكلها نادي القضاة لهذا الشأن مؤكدا أن يوم الثلاثاء المقبل سيشهد أول اجتماع لهذه اللجنة لتحديد الأخطاء وسبل علاجها أي تقييم تجربة الانتخابات نفسها. وأضاف مكي أن نتيجة الانتخابات الرئاسية كانت في مجملها سليمة ، وهذا أمر سلم به كل المنافسين للرئيس مبارك وأولهم الدكتور أيمن نور مرشح حزب الغد. وفي لفتة ربما تكون مؤشرا على مصالحة مرتقبة بين النظام والقضاة ، حرص الرئيس مبارك ، خلال الكلمة التي ألقاها أمس أمام العشرات من كوادر الحزب الوطني الذين شاركوا في حملته الانتخابية ، على توجيه شكر خاص للقضاة المصريين لقبولهم الإشراف على الانتخابات الرئاسية المصرية بعد أن هددوا في مايو الماضي بمقاطعتها احتجاجا على رفض مطلبهم بإصدار قانون جديد يكفل استقلال السلطة القضائية عن السلطة التنفيذية. وقال مبارك "أتوجه بمشاعر التقدير لرجال القضاء رمز العدل وحماة القانون وسيادته الذين نهضوا بمسؤوليتهم الدستورية في الإشراف على انتخابات حرة ونزيهة وشفافة فاستمدت هيبتها من هيبتهم وعدالتها ونزاهتها من عدالتهم ونزاهتهم". وتابع "تحية لرجال القضاء بما يحتلونه من مكانة في ضمير الوطن وبين أبنائه". وجدير بالذكر أن الجمعية العمومية التي عقدها نادي القضاة قبل عدة أيام من انتخابات الرئاسة قد وافقت على الإشراف علي الانتخابات ، لكنها قررت تشكيل لجنة لمراقبتها وإعداد تقرير حولها ، كما قررت الجمعية أيضا منح المجلس الأعلى للقضاء مهلة حتى يوم 15 أكتوبر القادم لإبداء الرأي في مشروع قانون السلطة القضائية وتنظيم اعتصام يوم 21 أكتوبر في حالة عدم إصدار الرأي في المشروع .