انفض سامر الانتخابات بضجيجة ، وعجيجة ، وتمخض الجبل فولد فأرا ً – كما يقول المثل – فاليوم الموعود ، الذى ٌجيشت من أجله الجيوش ، وٌحشدت فى سبيله الحشود ، وُأنفقت عليه مئات الملايين ، لم يشارك فيه إلا سبعة ملايين شخص ( حسب أرقام النظام ذاته ، وهى بالتأكيد أقل من الرقم الحقيقى بكثير ! ) ، أى أقل من عشرة بالمائة من إجمالى عدد شعب مصر ، الذى يزيد تعداده عن 72 مليوناً ، حصل منها مرشح الحزب الوطنى ، حسنى مبارك ، على 6316784 صوتاً ( حسب إحصاءات النظام أيضا ً ) . أى أن الرئيس الجديد – القديم لمصر ، يجلس على كرسى الحكم ، لست سنوات طوال ، عجاف ، قادمة ً ، يكمل عبرها أعوامه الثلاثين على عرش " المحروسة " ، بأصوات ما لايزيد عن 8% من أبناء شعب مصر ، فى أحسن الأحوال ، ُأختلست بألاعيب وخدع جهنمية ، تبدأ من تخويف الناس من عواقب عدم اختياره ، وما يترتب على ذلك من ضياع " الاستقرار " [ المهم جداً لمجتمع ثقافته مستمدة من قيم وتقاليد المجتمعات الزراعية الراكدة ، اعتادت على الزرع ( المستقر ) ، والرى ( المستقر ) ، والحياة الرتيبة ( المستقرة ) . . . ألخ ] ، ولا تنتهى عند شراء الأصوات ، بعشرين جنيهاً ( وأحيانا ً بخمسين ) للنفر ، أو مقابل بضعة أكياس من السكر وزجاجة زيت (!) ، أو حتى بالوعود المجانية التى ٌأطلقت على لسان مرشح الحزب الوطنى ، بتشغيل 4.5 مليون عاطل ، وبناء 1000 مصنع ( أى بمعدل مصنع كل 48 ساعة !! ) ، وتشييد 800000 وحدة سكنية ، ووقف الغلاء ، وحل مشاكل الوجود كافة (!) . . وهى وعود تحتاج لتنفيذها توافر ترليونات من الجنيهات حقا ً وفعلاً ( أى آلاف المليارات ! ) ، فقط لا غير ، وهو أمر مستحيل لدولة عظمى ثابتة الأركان ، فما بالك ببلادنا ، التى قادتها سياسات ربع القرن الماضى ، إلى ظروف اقتصادية واجتماعية وسياسية بالغة التردى ، واضحة الانهيار ، لا يمكن المراهنة عليها ، أو البناء على نتائجها ! . والطريف المؤسى ، فى آن واحد ، أن الذين صوتوا فى هذه الانتخابات ، التى بذل فيها جهاز الدولة الهائل والحزب الوطنى والحكومة ، جهودا ً ضخمة لحشد البشر من أجل المشاركة فيها ، لم تتعد ( أيضا ً حسب إحصاءات النظام ) ما نسبته 23% من إجمالى من يحق لهم الانتخاب ، وهو رقم يمثل نحو 40% من إجمالى المشاركين فى استفتاء 25 مايو الماضى الشهير ، على تعديل المادة 76 من الدستور ، فهل هناك شك إذن فى أن الأرقام التى أعلنها الحكم لنسبة المشاركين فى ذلك الاستفتاء كاذبة وملفقة ومختلقة ، فلا يقبل عقل أن يذهب للتصويت فى استفتاء مادة بالغة الطول والتعقيد ، مثل المادة 76 من الدستور ، أكثر من ضعف الذين يذهبون لانتخاب رئيس الدولة ، الذى يمثل حدثا ً هاما ً ، بكل المقاييس ، والثابت ، حسب تقرير " نادى القضاة " – بالفعل – أن أعداد المشاركين فى ذلك الاستفتاء لم تتعد 3% فقط من إجمالى من يملكون الحق فى التصويت ، فيما أعلن النظام ، يوم ذاك ، أن نسبتهم بلغت 53% من إجمالى الأصوات الصحيحة ! . ولأن القاعدة الفقهية المعروفة تقول إن " ما بُنى على باطل فهو باطل " ، فلقد استند الذين قاطعوا الانتخابات – من الأساس – على النتيجة التى أعلنها القضاة لنسبة المشاركين فى الاستفتاء ، لكى يعلنوا رفضهم الاشتراك فى مهزلة الانتخابات الرئاسية ، المبنية على نتائج استفتاء تم تزوير أرقامه ، وجاءت نسبة المشاركين فى الانتخاب لكى تؤكد صحة هذا الاستنتاج ، وما ترتب عليه من مواقف ، خاصة ً وأن 77% على الأقل – من أبناء شعب مصر الذين يملكون حق التصويت ( أو أكثر من 90% ، أو 65 مليونا ً من إجمالى المصريين ) ، لم يشارك فيها ، أو قاطعها استجابة لنداء المقاطعين ، مثل حركة " كفايه " وبعض الأحزاب السياسية ، أو أدار لها ظهره ، لأسباب متعددة ! . والآن : ها هى الحقائق تنكشف يوما ً بعد يوم ، وأبعاد عملية تزييف إرادة الأمة تتضح شيئا ً فشيئا ً . . ومع كر الأحداث تهتز وقائع عديدة ، ولا يبقى ثابتا ً سوى حقيقة واحدة : إن مصر التاريخية الكبرى ، يحكمها لمدة سنوات ست قادمة ، فى مرحلة من أدق مراحلها ، رئيس ، لم ينتخبه – فى أحسن الأحوال – إلا أقل من 8% من مجموع أبنائها !! . [email protected]