في حديثه إلى فضائية (الجزيرة) ليلة 7 سبتمبر نقل الأستاذ محمد حسنين هيكل عن أحد القانونيين وصفه للمادة 76 المعدلة بأنها "مادة خنثى لا ذكر ولا أنثى" ، وهو أفضل توصيف لهذه المادة التي تجمع بين متناقضات ، وتتناقض هي نفسها مع مادة دستورية سابقة لها. وهذا أيضا هو أحد أهم الأسباب التي دعت الدكتور يحيى الجمل إلى الحكم على "إنتخابات الرئاسة" بالبطلان لأنها قامت على باطل . ولأن المادة خنثى كان من الطبيعي أن يكون التخنيث هو مصير كل ما يتمخض عنها. فما جرى يوم 7 سبتمبر لايمكن تعريفه بالانتخاب لانتفاء أهم عناصر العملية الانتخابية ، وهو عنصر المنافسة. فلم يكن هناك مرشح واحد قادر على منافسة الدولة ومرشحها ، وبالتالي كانت النتيجة محسومة من البداية. كما أنه لايمكن تعريف ما جرى بأنه إستفتاء لأن الاستفتاء يقوم على طرح مرشح واحد ، وليس عشرة . بتعبير آخر، لم تكن العملية التي جرت يوم 7 سبتمبر إنتخابا ولا إستفتاءا ، أي لا ذكر ولا أنثى، وإنما عملية مخنثة يمكن لمن شاء أن يسميها إستفخاب من باب السخرية. لقد كان تعديل المادة 76 وصياغته عملية إحتيال سياسي غير مسبوقة في مصر هدفها الذي لم يصعب على أحد إستنتاجه هو تمرير توريث الحكم لجمال مبارك . هذا الاحتيال تمخض عنه مادة دستورية خنثى ، أسفرت بدورها عن عملية مخنثة. وكما كان التعديل المخنث قرارا أحاديا إتخذه مبارك دون إستشارة أي من فصائل المعارضة الوطنية ، فإن كل ما سيأتي من قرارات "إصلاحية" قادمة ستكون أيضا أحادية ، على أساس الفكر الشاروني الذي يتخذ إجراءات أحادية بزعم أنه لا يوجد شريك فلسطيني ، وبالتالي لا مفر من التصرف الأحادي لتحقيق السلام . كذلك هو سلوك عائلة مبارك : الأحزاب لا وزن لها والإسلاميون مصدر تهديد والشعب قاصر وغير ناضج سياسيا ، وهو ما يعني عدم وجود شريك وطني. وبالتالي فإن تحقيق الإصلاح يتطلب إجراءات أحادية. وكما إستهدف "إنسحاب" شارون من قطاع غزة تثبيت الاحتلال ، ستستهدف التعديلات الدستورية السطحية القادمة تثبيت إستبداد العائلة االحاكمة في مصر. هذه هي الحقائق التي كان ينبغي على الكتاب والمفكرين أن يقوموا بالتركيز عليها وفضحها ، لأنه بدون ذلك لن نتمكن من مقاومة التوريث وإجهاض ما يخطط لهذا البلد. وهذا ما يجعلني أشعر بالأسف عندما أقرأ لكتاب أقدرهم وأحترمهم أوصافا لما جرى في مصر بعيدة عن الدقة من عينة أن ما جرى كان "إنتخابات رئاسية تعددية مثلت حدثا فريدا في تاريخ مصر السياسي ، وأعلن عن بداية عصر جديد أسست فيه شرعية رئيس الجمهورية على الانتخاب الحر المباشر.. وسمحت العملية لأول مرة بنقد برنامج رئيس الجمهورية في الإعلام الرسمي وإنتقاد رؤيته السياسية ومجمل نظامه لتضع اللبنة الأولى في رحلة تفكيك الوضع الفرعوني لمنصب الرئيس." ما مدى علاقة هذه المزاعم بالحقائق المذكورة أعلاه ؟ أترك تقدير ذلك للقارئ. [email protected]