يبدو من زخم الحكايات الشعبية المسلي والجذاب عبر الحواري والأرياف المصرية حول الرئيس مرسى أننا سنتعرف؛ ليس فقط على الطريقة السرية في إدارة البلاد، بل على أنواع التواصل الشفوي المكشوف بين الناس ووظائفه. ولعل الأفعال الواعية والموجهة من قبل مرسي خلال فترة الانتخابات الرئاسية، وتلك التي ظهرت فيما بعد عبر قراراته وخطاباته، هي التي حركت عواطف الناس وخيالاتهم الرومانسية، لتنسج من القصص والأساطير حول تدين الرئيس وسيرته وصلاته وعباداته وكراماته، ما يجعله وليًا من أولياء الله الصالحين، وأمينًا على أموالهم، ومدافعًا عن حقوقهم ومكتسابتهم. بما يجعل من شخصه رؤيا رأوها في ظلام الليل، أو منحة إلهية أكرمهم الله بها بعد سلسلة من العذابات والقهر. فالوهم الذي عاشوه طيلة العصر السابق، جعلهم يحلمون بعصر جديد مع هذا الرئيس الأستاذ الجامعي والداعية. فانطلق الكثيرون منهم يقصون من القصص الأعاجيب. فيحكى أحدهم أنه قابل الرئيس تائهًا بسيارته على الطريق الصحراوي، فطلب منه مرسي معرفة طريق الوادي الجديد، فأرشده إليه. ويحكى آخر بأنه كاد أن يهلك وسط الزحام حينما طلبه الرئيس بالاسم ليسلم عليه. وثالث رآه في المنام رئيسًا ووليًا صالحًا. ورابع رآه في سدة الحكم قبل عشر سنوات. وخامس أرسل إليه العيدية في منزله. وسادس رآه يمر ليتفقد أحوال الناس بجلباب وعمامة. وسابع شاهده راكبًا حماره يدور حول القرية فتبعه إلى القرى المجاورة. وثامن رآه في محطة القطار. وتاسع رآه فى السوق والمسجد. وعاشر رآه في مصلحة حكومية وفي الطريق. وهكذا نجد أنفسنا في روايات لا حصر لها عن اقتراب الناس من الرجل، وحبهم له وكراماته بينهم. فهناك من يحكى بأنه قفز إلى القصر الرئاسى من النوافد والشرفات وتمكن من مقابلته. وهناك من تجاوب معه وأمر بحل مشاكله فورًا. وهناك من يحكي عن لطفه وبكائه في المساجد وورعه واقترابه من العامة والدراويش. ترى ما الذى جعل الجماهير تنسج كل تلك القصص حول مرسي وكراماته؟ وهل القصص المنسوجة تعبر عن محبة للرجل والقرب منه؟ أم أنها صناعة يجيدها الفريق الداعم له، والمؤيد لسياساته؟ ولعل عقد مقارنة بسيطة بين ذهنيات العوام في بلادنا في الماضي القريب، وبين الصور المسوقة عن الرجل، تشى بأن هناك قدرًا كبيرًا من المتشابهات موجود. وأن البحث فى المعتقدات الشعبية وفى نسبة الأمية في الحواري والأرياف، يقطع بأن هؤلاء الناس يجنحون للرواية الشفاهية أكثر من الروايات المكتوبة الموثقة، التي يعتمدها المتعلمون. ومن ثم فإن جزءًا كبيرًا من تلك القصص المروجة تعود لعملية اللاوعي الجماعي، الذى تشجعه الثقافات الشفوية الجانحة لتصديق الشائعات أكثر من تكذيبها. هذا بالإضافة إلى أن إيمان عدد كبير من التيارات الإسلامية بالرجل ودينه، وسيطرتها شبه الكاملة على تلك المناطق، عبر مشروعات التكافل الاجتماعي التي ترعاها، قد أوجد قدرًا كبيرًا من المصداقية لمرسي وسط الناس. ولعل احتفال الجماهير بفوز الرئيس مرسي في مصر كلها قبل إعلان النتيجة رسميًا بأسبوع، ونزوله لميدان التحرير وتأديته اليمين أمام الجماهير، وتعليق صورة في الحواري والأرياف على البيوت وفي مداخل الحارات والأزقة والشوارع، ونشر صوره وهو يصلي الفجر حاضرًا ويوقظ الحراس ليصلوا معه، وشراؤه إفطارًا بنفسه، وحمله للسجادة دومًا معه، وحرصه على تناول طعام الغذاء مع عدد من الأسر المصرية من مختلف أحياء القاهرة كمشاركة لهم في الاحتفال بعيد الأضحى، وذهابه لمسقط رأسه بالشرقية ليذبح أضحيته ويتلقى التهانى من محبيه، ورفضه السماح لأفراد أسرته باستخدام طائرة الرئاسة، وقراراته الاثنا الرمضانية، وصلاته في مساجد المحافظات، كل ذلك وغيره تم تسويقه في تلك المناطق على أنه كرامات خاصة بالرجل وعصره. حتى أن البعض صدق بأن تناحر القوى السياسية، ومحاولة إفشال بعضها البعض، ما هو إلا كرامة للرجل، ككرامات الأولياء والصالحين. وفي هذا الإطار يمكننا تفسير الصورة الإيجابية للرئيس مرسي في الحواري والأرياف بأنها ترجع لأربعة أسباب: أولها، تدين الرجل وانتسابه لجماعة الإخوان المسلمين التى تشارك الناس أفراحهم وأتراحهم، وتعالج أمراضهم وتزوج بناتهم وتكفل أيتامهم. ثانيها، وجود جيش إلكتروني يعمل على تحسين صورة الرئيس عبر شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت والصحف. وهذا الجيش يشارك بقوة وفعالية فى تعبئة المواقع الإلكترونية والمدونات بآراء وأفكار مناصرة للرجل ومؤيدة لقراراته. يضع التعليقات حول الموضوعات التى تلقى رواجًا بين العامة، ويشارك فى استطلاعات الرأي، ويحمل الفيديوهات المناسبة على المواقع. ثالثها، خلق صورة ذهنية إيجابية عن الرئيس فى الحواري والأرياف بالسيطرة على المدركات الذهنية لدى عموم الناس، ولدى القوى الفاعلة في تكوينها. رابعها، التأثير غير المباشر في محتوى الرسالة الإعلامية والإخبارية حول الرجل وقرارته. فنسبة الأخبار المتعلقة به، وكذلك مساحتها الزمنية، تركز على أخباره الخارجية وعباداته وتدينه. ولعل المقاربة بين صورة الرجل فى النشرات الإخبارية والصحف، وبين صورته كما تعكسها إجابات الناس العاديين، تؤكد أن المسألة ما هي إلا عملية ممنهجة. ما يعنينا أن صورة الرجل هي إيجابية في الحواري والأرياف بكل تأكيد، ليس فقط لتلك الدعايات، بل لأن سكانها كانوا على رأس الداعمين له، والمنتخبين إياه. وهذا يعني أن الرجل ما زال هو بطلهم وخيارهم الذى راهنوا عليه. ومن ثم فإن على الرئيس مرسي أن يثبت أنهم على رأس قائمة أولوياته. فأمالهم ما زالت معقودة عليه، فهل يحقق طموحات الملايين التي اختارته ورفعته لأعلى مكانة؟ أم أنه سيتفرغ للرد على نقاشات النخبة الفضائية وسفسطتها؟ د. أحمد عبد الدايم محمد حسين- أستاذ مساعد التاريخ الحديث والمعاصر- جامعة القاهرة