الثورة حدث استثنائي ، والثائر صمود استثنائي ومستدام ، فهو من يدافع ويقاوم ، ويبشر بالغد الأفضل ، وينشر الوعي بأهمية الثورة على الظلم ، وينظم الصفوف ويبدد الخوف ، و يسقط كل القيم الحاكمة والمكبلة للعقول ، ويقنعهم برفض الاستكانة والقبول ، وبأن الحاكم ممكن أن يزول . وعندما تلتحم به الجماهير تحدث الثورة ، ولكن بعد أن تهدأ الثورات ، تظهر العورات وينتشر المفسدون من الزعماء المزيفون ، ومنظرو الثورة المضللون - الذين لا نعلم من أين أتو - ، وتعود الجماهير إلى حالتها الأولى بعد أن حققت ما يروى ظمأها ويرضى طموحها ، تعود ليس إلى السلبية التي كانت عليها ، لكن إلى حالة اللاوعي والعشوائية . وهنا يقف الثائر وحيداً يتلقى السهام ، ويرجم فى الميدان ، يقف متهماً لأنه لم يدرك فقه الغنائم والصفقات ، يهاجم لأنه لازال يدافع عن دماء الشهداء ، وكرامة الأحياء يقف منسياً لأنه لم ينس خالد سعيد وعبد الحميد شتا وسيد بلال يقف متسائلاً : لماذا أنا حزين بعد أن حققت الثورة كل هذه المعجزات ؟ يتذكر دونكيشوت محارب طواحين الهواء ويقول : هل كنت مثالياً حالماً مثله ويجب أن أستفيق من عالم المثاليات ، أم كنت راكباً جواد الحسين متجهاً إلى كربلاء ،يتساءل : هل فعلاً نجحت الثورة ،أم نقض العهد طبيعة الإنسان ؟. يقول : لماذا أقف وحيداً ؟ ، هل كل ذنبي أنني لا أنتمي لحزب فلان ، أم لأنني لست عضواً في جماعة الإخوان ، لماذا أصبحت منبوذاً مهان ، ألم نتفق أن الإنسان هو العنوان وبأن الثورة قهر للفقر وللحرمان ، هل خرج المصريون لاستبدال فلان بفلان، أم ليظل الفساد والاستعباد محصنان بنائب عام للشعب وبرلمان ، ألم نتعلم أن الثورة تغير كل ما كان ، وتأت بكل جديد يحمل لواء العدل والإحسان ؟. فالثائر الحق قبس يحمل على الأعناق ، ثم يختفي عندما تهدأ الثورات فهو جندي مجهول ، يظهر ويجول وقت الأزمات ، ولا يعرف لغة المساومات، و يضع مصلحة وطنه فوق كل الأولويات ، ولا يذهب لتصفية الحسابات ، يعرف أنه قد يذبح لتحيى الأوطان ، فهو المخلص وهو القربان . فالثائر روح الثورة والشعب جسدها، وحين يتخلى الجسد عن الروح يقبع في الوحل وترقى هي إلى السماء، لكنها تصعد حزينة لأنها ظلت تحلم بأن يسقط الجسد النظام فإذا بالجسد يسقط، ولا يسقط النظام. لماذا يعتبر رفقاء الأمس أن الثورة تخرق القانون ، وتعطل للإنتاج ؟ هل أخطأت لأنني قلت : يسقط النظام ؟ : إذاً ليسقط النظام . البدوي محمد البرعي باحث في العلوم السياسية