من ماء وطين خلق الانسان و بْأمر ربه نفخت فيه الروح كنفحة ربانيه طاهره وعلى امتداد الحياة يتنازع العنصران نفس الانسان ولاْن متطلبات الجسد غريزية ملحة فإ نه يلبيها دائما ولذلك كان لابد من وقفات لشحذ الروح وحفز الهمه والتأكد من بوصلة المسير على الطريق القويم وفى التشريع الإسلامى يأتى شهر رمضان ومايرتبط به من عبادات وطاعات وما تزخر به أيامه ولياليه من نفحات روحانيه ليكون فى كل عام هو تلك المحطه التى نتوقف عندها عن الدوران فى صخب الحياه ولهوها لنلتقط الأنفاس ونكف عن التعلق بالأرض ومتاعها ونرتفع بقلوبنا ونفوسنا إلى السماء نترك كل ماهو مادى وزائل وإن كان مشروعا ونتزود بخير زاد "التقوى" والتقوى هى ثمره العباده والعبادات كلها تحتشد فى هذا الشهر الكريم الذى أوله رحمه وأوسطه مغفره وآخره عتق من النار وفيه ليلة خير من ألف شهر شهر من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضه فيما سواه إنه شهر انتصار الروح شهر يتقلب فيه المسلم بين صيام وقيام وصدقة وزكاة وبر وصلة أرحام حتى ليمكننا بحق أن نقول إن المسلم الصائم هو كائن مختلف يسمو به الصيام ويعلو ليجعل النور فيه يتغلب على الطين تصقله الإراده ويرسخ إيمانه الصبر والامتثال لأمر الله سبحانه وتعالى يزدهر فيه الضمير فيرق قلبه وتمتلئ جوانحه بالخير فيتوب العاصى ويتصالح المتجافى وتتدفق أنهار الخير والبر من النفوس الطيعه وتغص المساجد بالمتعبدين تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا وفى الأسحار تترد فى جنبات الأمه الإسلاميه أصوات نديه تتلو القرآن الكريم وتتدارسه ليتأكد فى النفوس ميثاق المسلمين ومنهج حياتهم الذى أنزله رب العباد لهدايتهم والذى من بين دفتيه خرجت المقومات والثوابت للرساله العالميه فى العقيده والشريعه والقيم وإذا كانت أعمارنا البشريه محدوده بأجل "لكل أجل كتاب" فلا يبقى أمامنا سوى حسن استثمار أوقاتنا القصيره لتصبح حياتنا عميقة ثرية ذلك بالاستفاده القصوى من كل لحظه تمربنا على وجه الأرض فى دار الفناء ولنستمد منها ذخرا ينفعنا فى الدار الآخره ولنتخذ من الأنبياء والصالحين قدوة ونبراسا فلقد كانت أعمارهم البشريه القصيره عميقة الأثر بما حفلت به من صالح الأعمال التى ضربت لنا أروع الأمثلة فى الأرتقاء بأسمى وأنبل ماأودعه الله فى نفوس البشر من قيم عليا لتصل بهم إلى ذرى الإيمان الحق والامتثال الكامل لما أراده الله للبشر من حياة طيبة ملؤها الخير والتقوى قال تعالى (فاستبقوا الخيرات) "البقره 148" وقال جل شأنه (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين ) آل عمران:133 ولقد أظلنا شهر رمضان الذى قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ) وقال (إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنه وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين ) فلنستبق الخيرات ونسارع إلى فعل الخير فأبواب الجنة مفتوحة أمامنا والشياطين مصفده فى أغلالها ونسأل الله ألا نكون من اللاهين الغافلين الذين يفنون أعمارهم طولا وعرضا فيما يضر ولاينفع ولنجتهد أن نكون ممن يحيا حياة ثرية عميقه بما تحويه من خير وتقوى.