أن يخطئ الأخ البلكيمى، نائب البرلمان السابق عن حزب النور، فهذا أمر وارد ومقبول وطبيعى فى دنيا البشر، ونستطيع تفهمه من باب أن كل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون، ولكن ما لا يمكننا فهمه ولا استساغته ولا قبوله أن يصر الأخ البلكيمى على الإطلالة عبر شاشات الفضائيات كل فترة ليسمعنا العجب العجاب، وكان آخرها تصريحه فى إحدى الفضائيات بأنه فكر فى الانتحار عقب أزمته الشهيرة، ونوه إلى احتمالية ترشحه مرة أخرى نظرًا لإلحاح أهل دائرته.. ولا أدرى فى الحقيقة هل مر على ذهن الأخ البلكيمى ولو مرور الكرام أن استضافته فى الفضائيات إنما تأتى فى إطار حملة تشويه التيار الإسلامى كله؟، وأن هناك مخططًا يستهدف جعل البلكيمى دائمًا فى بؤرة اهتمام الرأى العام من أجل تذكير الرأى العام بقضيته لقصف شعبية التيار الإسلامى فى الشارع قبل الانتخابات؟، ولو لم يأت على ذهن البلكيمى هذا الخاطر ولا حتى على ذهن أى ممن حوله من أصدقائه أو أقرانه أو حتى مشايخه الذين يتحدث عنهم بتبتل وخشوع فلماذا يرمون بأنفسهم فى مضمار لا يحسنونه ولا يجيدونه فيفسدون من حيث أرادوا الإصلاح ويخربون من حيث استهدفوا البناء؟. ظاهرة البلكيمى ليست قاصرة عليه بل هى ظاهرة متعدية متفشية فى أوساط الحركة الإسلامية عقب نجاح الثورة المصرية، وكسر القيود التى كانت تكبل الحريات والتعبير عن الرأى، فرأينا هرولة غير عادية إلى وسائل الإعلام ورغبة محمومة فى تصدر المشهد الإسلامى ممن لا يحسنون التفكير ولا الحديث ولا الإحاطة بتحديات المرحلة ومتطلباتها، وللأسف يتم تقديمهم للرأى العام على أنهم الممثلون للتيار الإسلامى الواسع بكل تنوعاته الفكرية وتجلياته الحركية.. ويجب أن نعترف أن كثيرًَا من هؤلاء المتحدثين صاروا عبئًا على الحركة الإسلامية بما يطرحونه من أطروحات مجافية لروح الإسلام ومبادئه العامة الرشيدة، ناهيك عن الصدمات المروعة التى يتلقاها المجتمع المصرى بين الحين والآخر نتيجة الفتاوى التى لا أعلم من أين استقى أصحابها أدلتها؟، ولا كيف استنبطوها من عينة تكفير الليبراليين واليساريين وتأثيم من ينضم لحزب الدستور.. إلخ، ناهيك عن بعض ما يقال فى الفضائيات الإسلامية والذى يمثل صدمة لى بصفة شخصية فما بالك برجل الشارع العادى!! ولا أنكر أن هذه الفوضى ليست مقصورة على التيار الإسلامى بل هى ممتدة إلى بقية التيارات السياسية الأخرى من ليبرالية ويسارية، وتعد تعبيرًا عن حالة السيولة التى يعانى منها المجتمع المصرى كله عقب الثورة، ولكن الواجب يقتضى أن يمارس التيار الإسلامى جهدًا حقيقيًا فى ضبط هذه الحالة السائلة ترشيدًا للمسيرة بصفة عامة، حتى تأتى الجهود أكلها ولا تذهب سدى، ومراعاة لحالة التربص بالتيار الإسلامى والتى تحصى عليه أنفاسه وحركاته. ونقطة البداية الفعلية فى ضبط هذه السيولة تكوين الرؤية الإسلامية الجامعة فى مجال الحريات والعدالة الاجتماعية والممارسة السياسية وحقوق المرأة والطفل.. إلى آخر هذه القضايا المحورية، والتى تحتاج إلى اجتهاد حقيقى يراعى الواقع وينضبط بضوابط الشرع، ويخرجنا من دائرة الخطاب السائد الآن، والذى يميل إلى التشدد والغلو دغدغة لمشاعر الجماهير والأتباع، ولا يريد أن يترك منطقة الشعارات والمطلقات إلى منطقة الاجتهاد الخلاق الذى يمكنه من التعامل مع واقعنا المتجدد.. كما أن الحركة الإسلامية مطالبة اليوم بسرعة تصحيح خطأها القاتل فى مخاصمة المفكرين والنأى عنهم، فكم من قيمة فكرية عالية اضطرت إلى ترك الحركة ووجدت طريقها إلى الإبداع خارج الأطر التنظيمية الخانقة التى أرادت أن تكبل حركتهم الفكرية وتفرض قيودًا صارمة عليهم، مما أدى إلى انفصال الحركة عن سيرة المجددين العظام وعطائهم الفكرى المتميز، وكان لابد من ملء الفراغ فكان بروز من هم دونهم علمًا وثقافة وفكرًا ورؤية، والذين مازالوا يصرون إصرارًا غريبًا على جذب الحركة الإسلامية بعيدًا عن دورها الإصلاحى والتنويرى لصالح معارك وهمية وجدالات لا جدوى منها. الحركة الإسلامية أمامها تحديات عظيمة، وتعلق عليها الجماهير آمالاً عريضة، ولا يجب أن ترهن مشروعها الحضارى والتربوى لصالح البلاكمة.