كانت لفتة إنسانية ووطنية ذكية للغاية من الرئيس محمد مرسي أمس عندما أصدر قرارًا بتكريم اسم الراحلين الرئيس أنور السادات والفريق سعد الدين الشاذلي، ودعا أسرتيهما إلى القصر الجمهوري لحضور التكريم ومنحهما أرفع أوسمة الوطن، هذا موقف نبيل ويعني الكثير لمصر ولقياداتها ولتاريخها وجيشها ومستقبلها، أقول هذا بلا أدنى مبالغة، وبداية فهذا الموقف الذكي يعطي رسالة للداخل والخارج بأن التيار الإسلامي وهو في رأس السلطة هو تعزيز للمسار الوطني واستكمال لكل جهد مخلص سبق، التيار الإسلامي ليس هدمًا لما سبق ولا تزييفًا للتاريخ ولا عدوانًا على عطاءات أجيال سابقة، هو هدم لما كان فاسدًا وباطلاً ومهينًا لمصر ومصالحها، ولكنه إضافة وعرفان لكل جهد وطني شريف أيًا كان مصدره أو صاحبه وأيًا كان الخلاف السياسي معه والسادات أخطأ بلا شك في مواقف سياسية عديدة واتسمت أفعاله خاصة في سنواته الأخيرة بالرعونة والعصبية، ولكن مصر لن تنسى أبدًا أن أنور السادات هو بطل معركة العبور، هو قائد النصر العظيم في حرب أكتوبر، هو القائد الذي رهن مستقبله وغامر بكل شيء من أجل إعادة الكرامة لمصر وجيشها وشعبها وتاريخها، لا يصح أن تكون هناك زفة سنوية احتفالاً بذكرى عبد الناصر، رغم أنه القائد الذي ألحق الهزيمة بمصر ثلاث مرات، في 56 وفى 67 وفى حرب اليمن، وترك مصر وهى محتلة بالكامل فى سيناء، ومع ذلك يعتبره البعض بطلاً وقائدًا للنصر، فكيف يمكن أن نتجاهل البطل الحقيقي وصاحب معركة النصر الوحيدة فعليًا مع العدو، والرجل الذي حرر الوطن المحتل، لقد أخطأ السادات في إدارة بعض فصول المعركة السياسية التي أعقبت الحرب، وكانت له كقائد رؤيته وحساباته في ضوء إمكانياته التسليحية وظروف الجيش في تلك الفترة، فقد حقق النصر وسجل تلك الرمزية للتاريخ، وقرر أن يستكمل معركة التحرير بالمفاوضات وهو منتصر، والمفارقة المبهجة أن تكريم السادات أتى في نفس اليوم الذي كرم فيه الرئيس محمد مرسي الفريق سعد الدين الشاذلي، فارس المعركة الأول، قائد أركان جيش النصر، والعسكري الداهية الذي سُجلت خططه ومكره في دروس العسكرية العالمية، والمفارقة أن خصومة الشاذلي الحقيقية كانت مع السادات، على خلفية استثمار مسارات المعركة والانتصار، كان للشاذلي اجتهاد سياسي وعسكري لطريقة استثمار المعركة مخالف لاجتهاد السادات، من الصعب جدًا أن تقرر أن أيًا منهما كان مخطئًا خطأً كاملاً، كما من المستحيل اتهام أحدهما بالخيانة كما ذهب بعض المتعجلين، ورغم هذا الخلاف والتناقض إلا أن الرئيس مرسي قرر تكريم الاثنين، في لفتة تشير إلى أن الخلاف في الاجتهاد السياسي لا يعني تجاهل إنجازات الرجلين، فكلاهما بطل، لا يمكن أن ينسى التاريخ ذلك الوصف للاثنين، فهما أبطال حقيقيون أعادوا الكرامة للجيش المصري وأعادوا الكرامة والهيبة لمصر ومكانتها ووزنها وحققوا النصر العظيم، وقد تصرف النظام السابق مع الاثنين باستعلاء وكبر وغطرسة وإهانة لا تليق بالأبطال، بل إنه جرؤ على أن يدخل قائد معركة النصر، الفريق الشاذلي، السجن عدة سنوات. شكرًا يا دكتور مرسي، لقد أعطيت درسًا لكل من يأتي بعدك، مصر لا تجحد عطاءات قادتها وأبطالها الحقيقيين، والدموع العزيزة الغالية التي تساقطت من عين أرملة الفريق سعد الدين الشاذلي لحظة التكريم، كانت تتدفق من عين كل مصري يعرف جميل هذا الرجل ووفاءه لوطن وأمته.