فى الوقت الذى يعانى فيه التعليم المصرى من أزمات ومشكلات طاحنة وإضرابات وتلاميذ لا يجدون مدرسة تحتضنهم والبعض الآخر لا يجد كرسيًا ليجلس عليه للدراسة وبعضهم الكثير، نجد المليارات تجمع الآن لمدينة زويل للعلوم.. فى الوقت الذى نسعى فيه بعد ثورة يناير المجيدة إلى التخلص من عبودية وتأليه الحاكم يقوم البعض الآن بتشكيل لوبى قوى يدافع عن زويل بالحق والباطل ويهاجم مَن ينتقدوه بكل شدة وعنف، أنا لست مع إهانة الرموز وتكسير همم وطاقات أبناء مصر المتفوقين ولكننى لست أيضًا مع وضع هالات القدسية حولهم أو حول أى شخص مهما علا شأنه، والتعامل مع الجميع على أنهم بشر يصيبون ويخطئون، والتوقف أمام الأخطاء مثل التوقف أمام النجاح لسنوات.. فى الوقت الذى يحتاج فيه دكتور زويل لمليار جنيه كى يبدأ مشروعه رغم أنه أعلن فى بداية الحديث عنه أنه لن يكلف الدولة مليمًا واحدًا، نجد الآلاف من العلماء المصريين يحتاجون إلى القليل جدًا من التمويل كى ترى مشاريعهم النور. فى الوقت الذى نسعى فيه إلى إرساء قيم العدل والمساواة والشفافية والمصداقية ونحن بصدد بناء الجمهورية الثانية، يطل علينا وعد بلفور – منح من لا يملك من لا يستحق – الجديد بوجهه القبيح حيث منح رئيس الوزراء الأسبق عصام شرف مبانى وتجهيزات جامعة النيل لمدينة زويل. فى الوقت الذى نقوم فيه الآن بالتخلص من تسمية بعض مؤسسات ومرافق الدولة بأسماء مبارك وزوجته ونجليه، نقوم الآن بتسمية المدينة (زويل) حتى إن تنصل دكتور زويل من هذا وأعلن عدم مسئوليته عن ذلك، أليس اسم مصر هو الأجدر بذلك.. إننى هنا لست فى حالة دفاع عن جامعة النيل وطلابها وإن كان هذا شرفًا لى، كما أننى لا يمكننى مهاجمة دكتور زويل مهما كانت المبررات ولكن دفاعًا عن الحق والعدل والمنطق.. يتعرض طلاب النيل لهجوم عنيف فى وسائل الإعلام وعلى مواقع الإنترنت، لماذا إذًا لدفاعهم عن حقهم فى مبانى جامعتهم يصورهم البعض على أنهم شباب لاهٍ فى حين أن الواقع منافٍ تمامًا لذلك، فمن ضمن هؤلاء الشباب اللاهى الشاب هيثم الدسوقى، الفائز بجائزة نجم العرب فى العلوم، التى تنظمها مؤسسة قطر للعلوم، وغيره كثير. تعد النيل أول جامعة بحثية مصرية لا ربحية، يعمل بها 60 عالمًا مصريًا تم انتقاؤهم من الخارج والداخل، وقاموا بنشر أكثر من700 بحث فى 4 سنوات فقط، ويدرس بالجامعة حوالى 285 طالبًا من أوائل الجامعات المصرية، كما أنها قدمت أكثر من500 منحة دراسية، كما أن 25 من خريجى الجامعة حصلوا على منح كاملة فى كبرى الجامعات العالمية على نفقة هذه الجامعات، كما أن الجامعة تتعاون مع كبرى المؤسسات فى العالم مثل جوجل وميكروسوفت وغيرها من الإنجازات، ورغم هذا يريد البعض أن يقيم على أنقاض هذا الصرح العلمى مدينة زويل للعلوم، أو المساومة بالانضمام والاندماج للمدينة، إلى متى سنرى النجاح مرتبط بالأنانية وتمنى زوال الآخر كما يفعل بعض السياسيين الآن؟. يا سادة العلم ليس حكرًا على أحد، وإذا كان لدينا عالم حصل على جائزة نوبل فلدينا آلاف العلماء فى الانتظار، كيف نمحو كيانًا علميًا قائمًا منذ 5 سنوات لكى نقيم مؤسسة علمية جديدة مجهولة الهوية حتى الآن؟، أليست مصر فى حاجة إلى أكثر من مشروع متميز ينهض بها كما تحتاج لكل السواعد والهمم.. ولكننا كشعب نحب سماع الكلام الرنان والشعارات والمصطلحات والمسميات الكبرى مثل مشروع توشكى، الذى أنفقنا فيه الجلد والسقط كما يقولون، ولم نجنِ منه شيئًا يذكر، لقد فاض بنا الكيل، نريد عملاً جادًا، نحتاج لجهد وتعاون بناء، ألسنا فى حاجة إلى إصلاح قواعد البناء التعليمى لدينا قبل أن نتحدث عن النانو تكنولوجى؟، أيضًا ينبغى أن يكون العلماء أكثر تواضعًا ولا يرون فى أنفسهم نخبة منعزلة فوقية تفصلهم عن محيطهم بل يقتربون من الناس بشكل وطيد وروح منفتحة متواضعة بهدف تفعيل التأثير وتبادل الخبرات والمعارف وألا يرون فيما وصلوا إليه شيئًا يميزهم عن الناس سلبًا بقدر ما يجدون فيه فرصًا جديدة للتعامل مع تفاصيل الحياة اليومية بكل ودية واحترام وتقدير ونزاهة، ويحضرنى قول "الفضيل بن عياض" فى التواضع وهو: "أن تخضع للحق وتنقاد له ولو سمعته من صبى قبلته ولو سمعته من أجهل الناس قبلته"، وأتمنى أن يخيب ظنى وينجح دكتور زويل وفريقه فى الخروج بمصر من نفق التأخر إلى فجر التقدم العلمى والتكنولوجى، فانتظر إنّا منتظرون. باحث بمعهد الدراسات التربوية جامعة القاهرة Dr.walid.nady @gmail.com