بداية سأحاول أن أكون محايدًا عندما أكتب عن «تركيا» الأرض.. والبشر والتجربة الاقتصادية، فقد علمتنى الحياة أن أفصل بين: عشقى للطبيعة وجغرافية المكان، وائتناسى بالبشر الودودين، وسعادتى بانتشار المساجد فى طول البلاد وعرضها.. وبين التجربة الاقتصادية التى يدعو الكثيرون لنسخها وتطبيقها. زرت تركيا من أقصاها إلى أقصاها أكثر من20 مرة منذ عام 1986 وحتى الآن، وتربطنى صداقات كثيرة بزملاء مهنة ورجال أعمال أتراك، ولاشك أن العلاقات المصرية – التركية متشابكة ومتداخلة منذ مئات السنين، وهناك خصوصية مميزة لهذه العلاقات تؤثر فينا كمصريين نتميز ب«العاطفية» فى علاقتنا السياسية. وبعد سيطرة حزب «العدالة والتنمية» على الحكم فى أنقرة، وصعود حزب «الحرية والعدالة» للفوز بالأغلبية فى البرلمان الأخير، وكذلك منصب رئيس الجمهورية، وكلا الحزبين ينتمى لجماعة «الإخوان المسلمين»، توقع المراقبون أن تسارع تركيا «القوية» اقتصاديًا لمد يد المساعدة والعون لمصر الخارجة للتو من رحم ثورة مستمرة أضعفت اقتصادها، وأوهنت ماليتها، غير أن تركيا مثلها مثل غيرها من دول العالم التى تملك القدرة على ضخ استثمارات خارج أرضها تنتظر إشارات إيجابية مشجعة على جذب الأموال وضمان سلامتها، وأرباحها، وهو ما لم تقدمه أى حكومة مصرية للأسف حتى الآن. وبالرغم من التطور الملحوظ للاقتصاد التركى، وارتفاع دخل المواطن، وتحسن قوة الليرة التركية، إلا أن «التجربة» المريرة التى مر بها الاقتصاد التركى عام 2004 تستحق الوقوف عندها، حيث اضطر رئيس الوزراء حينئذ «بولنت أجاويد» لتجرع دواء مر لمقاومة فقدان الليرة 60% من قيمتها وتحديات أخرى، فلجأ للاقتراض من صندوق «النكد» الدولى، واتباع سياسة «خصخصة» أدخلت العديد من قطاعات الاقتصاد تحت «نير» الاقتصاد الغربى، وكبل الاقتصاد بالتزامات لم يستطع أردوغان الفكاك منها، وحتى العام الماضى تشير الأرقام إلى أن إجمالى الدين الخارجى لتركيا يقارب 300 مليار دولار مقابل احتياطى نقدى لدى البنك المركزى لا يتجاوز ال75 مليارًا (لاحظ أن إجمالى دين مصر الخارجى لا يتجاوز 31 مليارًا إلا بقليل مقابل 14 مليار دولار احتياطى نقد أجنبى). وفى تركيا تتجاوز خدمة الدين 42% سنويًا، وهو رقم عالٍ للغاية قياسًا بالمتوسط العالمى الذى لا يزيد على 20% (فى مصر خدمة الدين بين 6 – 8%).. وبحسبة بسيطة فإن نصيب المواطن التركى من الدين الخارجى حوالى 4000 دولار، بينما يبلغ «دين» المواطن المصرى أقل من 400 دولار. أما على المستوى السياسى، فيكفى أن أُذَكِّر بأن «تركيا» تحتضن إحدى أكبر القواعد الأمريكية فى المنطقة (انجريليك)، وتقوم بمناورات عسكرية مشتركة مع إسرائيل، وهناك برامج تدريب عسكرى مشترك مع الكيان الصهيونى (تم تعليق التعاون العسكرى وليس إلغاؤه)، بينما استمرت عقود شراء السلاح المشتركة!!. خلاصة القول إنه وبالرغم من الانتعاش الظاهرى للاقتصاد التركى إلا أن «ظروف» مصر الاقتصادية و«السياسية» تبدو أفضل من تركيا، وقت تسلم أردوغان لها، وأن فرص التنمية لدينا أقوى، وما نحتاجه هو أن ننظر للمستقبل، ونبدأ العمل الفورى.. العمل الدءوب.. العمل الحقيقى لإعادة بناء «مصر» التى تمتلك كل مقومات النجاح وتجاوز الأزمة.. شرط أن تخلص النفوس والعقول، وتتوحد السواعد والقلوب على هدف واحد.. إعادة بناء أم الدنيا. وحفظ الله مصر وشعبها من كل سوء. [email protected] twitter@hossamfathy66