أعرب المخرج السينمائى خالد يوسف بحسب بعض الصحف عن استيائه الشديد من الفيلم المسىء لرسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم ووصفه بالخزعبلات التى لا تصدر إلا عن شخص حاقد أو مختل عقليًا، وطالب الأزهر الشريف بإصدار فتوى تجيز تجسيد الصحابة فى الأعمال الفنية؛ ليتمكن من إنتاج فيلم للدفاع عن الرسول، كما دعا إلى التكاتف بين المسلمين والمسيحيين لحماية المقدسات وحرية العقيدة، وعدم التطاول على الأديان ومعتقدات الآخر. وهذا موقف جيد ولا شك ينبغى الإشادة به والثناء عليه، لاسيما ونحن نريد إزالة مخاوف الفنانين من الإسلاميين، وفض الاشتباك المفتعل بينهما، فلا يمكن أن يكون الإسلام ضد الفن الهادف الذى يمتع الأنفس ويسمو بالأرواح، ولعل هذا هو عين ما أكده الدكتور محمد بديع )المرشد العام للإخوان المسلمين( للفنان عادل إمام على هامش احتفالات السفارة السعودية باليوم الوطنى للمملكة. ولكن هل الأستاذ خالد يوسف مؤهل فكريًا وإسلاميًا للدفاع عن نبينا وحبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم ؟! فنيَّا لا شك أن خالد يوسف يمتلك رؤية إخراجية مميزة مع رفضى التام لإباحية أفلامه وقد ترك بصمة حقيقية فى فن السينما؛ لأنه قادر على التأثير النفسى فى المشاهدين وتعبئتهم بأفكار عميقة (وربما فلسفية أحيانًا...!!) من خلال مهارته العالية فى تحريك الكاميرا وإتقان توظيفها كأداة ناطقة فى موقع التصوير (Location)، وتسخيرها بحرفية كبيرة لرصد كثير من الجوانب الإنسانية والعاطفية والوجدانية فى الشخصيات التى يجسدها الممثلون.. لكن من الناحية الثقافية والفكرية والدينية فأزعم أن خالد يوسف لا يستطيع بتكوينه الفكرى الحالى الدفاع عن رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من خلال عمل درامى ممتع ومؤثر؛ وذلك لأسباب جوهرية من وجهة نظرى تتعلق بالمكونات الفكرية والثقافية لخالد يوسف نفسه، من أهمها: 1. اختلاف المرتكزات الثقافية والحضارية التى ينطلق منها عن ركائز وأسس الحضارة الإسلامية العظيمة، فهو يتكئ على الحضارة الغربية المادية، وهى فى جوهرها حضارة وثنية إغريقية رومانية رغم قشرتها المسيحية، وقيمها الفنية تختلف جذريًا عن القيم الإسلامية، فمثلاً ترى هذه الحضارة أن التماثيل العارية تُبرِز جمال جسد الإنسان، ويتفنن النحَّاتون فى صناعة تماثيل النساء العاريات لإبراز مفاتن المرأة وأنوثتها، وعلى العكس من ذلك تمامًا يحرم الإسلام صناعة تماثيل ذوات الأرواح بشكل حازم درءًا لمفاسد عظيمة قد تترتب عليها!! 2. انتماؤه لمدرسة ترى تعرى المرأة وإبرازها لمفاتنها شيئًا عاديًا فى الحياة، ولا مانع لديه من تصويرها عارية يضاجعها الرجال إذا اقتضت الدراما ذلك كما يزعمون، بينما الإسلام يهتم اهتمامًا بالغًا بثقافة العفة والفضيلة والطهارة، ويحيط المرأة بهالة من التكريم والاحترام، ولا يعرِّضُها أبدًا للامتهان لاسيما الامتهان الجنسى بهذا الشكل الفاضح، حتى لو كان تمثيلاً؛ لأنه أبشع أنواع الامتهان. 3. زعمه أن المشاهد الجنسية الساخنة لا تثير إلا المرضى والمعقدين أو المحرومين جنسيًا الذين يسهل استثارة شبقهم الجنسى، بينما يتفق الإسلام مع العلوم الاجتماعية والنفسية والطبية، ويرى أن هذه المشاهد الفاضحة تثير غرائز الشباب والفتيات، وبالتالى فهى تحض على الرذيلة، وهذا لا يخدم قيمًا ولا يصنع فنًا راقيًا!!، ويحترم الإسلاميون النوازع الفطرية فى الإنسان ولا يسخرون منها ولا يهيِّجون غرائز الناس ولا يثيرونها من مهاجعها؛ درءًا للخطر وحفظًا لطهارة المجتمع وحمايةً له من الرذيلة. 4. عدم تعمقه فى الثقافة الإسلامية، وعدم إلمامه بأبرز وأرقى ما أبدعته الحضارة الإسلامية من رؤى وأفكار، فكيف لمن كان إلمامه سطحيًا بهذه الحضارة أن يتفهمها، فضلاً عن أن يجيد الدفاع عنها؟!، هذا فضلاً عن عدائه المبدئى للإسلاميين، ورفضه القاطع للنموذج الحضارى الذى يدعون إليه؛ اعتقادًا منه بأنه سيضر المجتمع المصرى ويكون سببًا فى تراجعه وتخلفه!! 5. تشوش المفاهيم لديه، فالفضيلة عنده لا تتأثر باختلاط النساء بالرجال، بل فى ثقافته الغربية يعدُّ تقبيل الرجال النساء ومعانقتهن علامة على الرقى والتحضر، بينما حرَّم الإسلام على المسلم أن يلمس يد امرأة أجنبية عنه، ففى الحديث الشريف، قال صلى الله عليه وسلم : "لأن يُطْعَن فى رأس رجلٍ بمخيط من حديد خيرٌ له من أن يمس امرأة لا تحل له" (رواه الطبرانى والبيهقى وصححه الألبانى). وختامًا فإننى أدعو السيد خالد يوسف - إن كان جادًا فى عمل فيلم راقٍ يدافع به عن الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يتخلَّص أولاً من الصورة النمطية المشوهة التى يحتفظ بها العلمانيون والليبراليون وغيرهم عن الإسلام وقيمه وحضارته، وتحديدًا نظرته للمرأة وللحريات الشخصية، كما أدعوه أن يتعمق قبل ذلك بعض الشىء فى الثقافة الإسلامية الخالدة، وأن يتأمل الإبداع الفكرى والحضارى الإسلامى فى أرقى صوره. * كاتب مصرى. [email protected]