عزيزي جمال .. هذا هو الجزء الثالث من رسالتي إليك المكونة من أربعة أجزاء ، وسأخصه بالإجابة عن سؤال : كيف تكسب ثقة المصريين ؟ .. بعد أن كان الجزء الثاني مخصصا للإجابة عن سؤال : لماذا يرفضك المصريون ؟ .. فان كنت قرأت ما سبق من الرسالة ، وتأملت ما فيها من كلام قد يكون موجعا وقد تراه قاسيا (وان كان صريحا وصادقا) .. فأتمنى أن يشرح الله صدرك ويجلي بصيرتك فيما ستقرأه الآن من كلام أتمنى أن تستقبله بكل صدق مع النفس وإخلاص لله والوطن .. عزيزي جمال .. إذا كنت تريد الحكم فعلا - وأظنك تريده- فعليك بالعمل من الآن على كسب ثقة المصريين ، وهو عمل ليس سهلا أو بسيطا كما يصوره المحيطون بك ، فالناس محبطة وفاقدة الأمل والثقة في كل شئ ، ولم يعد ينطلي عليهم بعد اليوم حيل الحكام وأكاذيبهم وأساليبهم الملتوية في تبرير الفساد والاستبداد . ولابد أن تدرك وأنت ترى بعينيك هذا الحراك الوطني المتصاعد في البلاد ، أن حكم مصر في المرحلة القادمة سيكون شاقا ومحفوفا بالصعوبات والمخاطر ، وعليه فان ثمة استحقاقات يتوجب عليك تنفيذها إذا كنت تحلم بحكم مصر وتريد كسب ثقة الناس .. أول هذه الاستحقاقات ، هو الإعلان فورا وبكل صراحة ووضوح عن نواياك في الترشيح للانتخابات الرئاسية المقبلة ، وأن تشرح للناس أسباب هذه الرغبة ، والتي ستنحصر بكل تأكيد في أن لديك رؤية في الإصلاح والتغيير ، وأن لديك أفكارا جديدة وحلولا لمشاكل البلاد الاقتصادية والاجتماعية تريد تنفيذها بعد توليتك الحكم .. هذه هي الخطوة الأولى للمصارحة وكسب الثقة ، لان الناس تدرك فعلا حقيقة الأمر ولا تصدق النفي المتكرر لمسألة باتت محسومة في ذهن النخبة الحاكمة ، ويرتب لها الآن لتكون واقعا مفترضا في حياة المصريين .. وصدقني كلما تأخرت هذه الخطوة كلما زادت الهوة بينك وبين الناس .. ولذلك فان تأجيل الإعلان ليس في مصلحتك كما تظن ، بل هو يباعد بينك وبين ما تصبو إليه من تولية الحكم عن طريق الانتخاب الرئاسي المباشر . الاستحقاق الثاني الواجب عليك ، هو عدم تجاهل ما يثار حولك من أقوال قد تكون صحيحة وقد تكون متجنية .. مثل حقيقة ما يقال عن دورك في بيع جانب من ديون مصر ، وحصولك على عمولة ضخمة من وراء هذا العمل ، وغيره من المواضيع المشابهة .. فتجاهلك لهذه الأقوال وتعاليك عليها يدعم ثبوتها ويرسخها في أذهان الناس ، مما يعطي انطباعا عاما بأن جمال مبارك لا يقيم وزنا ولا اعتبارا للشارع المصري ، ولا يهتم ولا يرغب في تصحيح صورته ودعم شعبيته ، لأنه يعتمد وسائل أخرى للوصول إلى الحكم ، باعتباره مرشح النظام الحاكم الذي يسيطر على مقاليد الدولة . ولم تنس لك الناس تصريحك الشهير الذي قلت فيه بالنص : " ليس علينا التجاوب دائما مع كل ما يطلبه الرأي العام !!" .. وهو تصريح جانبك فيه الصواب تماما ، لان الرأي العام في النظم الديمقراطية - وأنت تعرف هذا بكل تأكيد - هو الذي يشكل وجدان الناس ، وهو الذي يسقط السياسيين ويرفعهم ، وهو الذي يسعى إلى كسبه والحصول على ثقته رجال الحكم والدولة في كل مكان وزمان .. كما أن الرأي العام المطالب بالتغيير والإصلاح في مصر ، ليس مشكلا من الرعاع أو الدهماء الذين يتسمون بالاندفاع والحمق ، بل تشكله نخب مثقفة واعية من جميع التيارات الفكرية والقوى السياسية ، اتفقت فيما بينها على ضرورة التغيير العاجل ، لان الأوضاع في مصر بلغت من السوء والانحطاط حدا ينذر بالتداعي والانهيار ، فلم يعد السكوت أمرا ممكنا بعد الآن ، ولم يعد التغاضي عن التجاوزات أمرا مقبولا ، وهكذا فليس من الحكمة تجاهل مطالب النخب المثقفة بإطلاق مقولة : (عدم التجاوب مع كل ما يطلبه الرأي العام) الاستحقاق الثالث الواجب عليك لكسب ثقة الناس ، هو أن تتبني بنفسك الأفكار الإصلاحية التي تنادي بها الحركة الوطنية ، مثل تغيير الدستور وتحديد فترة الرئاسة وإلغاء قانون الطوارئ والتصدي بجدية للفساد ووقف النهب الجاري للأموال العامة .. والتعهد بالعمل على تنفيذها وفق جدول زمني محدد يلتزم به النظام الحاكم أمام الشعب وأمام المجتمع الدولي ، وعليك أن تعمل من خلال مركزك في أمانة السياسات وموقعك في بيت الحكم على تنفيذ هذا التعهد من الآن ، على أن يتم إنجاز التغيير المأمول في فترة لا تزيد عن السنتين ، يتم بعدها إجراء انتخابات رئاسية جديدة ، يفتح فيها الباب أمام كل مصري يرى في نفسه الأهلية لهذا المنصب الكبير .. وهذا هو الثمن الغالي الذي يتوجب عليك دفعه ، والعمل الكبير الذي سيدخلك التاريخ ويكسبك ثقة الناس ، ويخلق لك شعبية في الشارع المصري .. أدري أن الأمر ليس بهذه البساطة ، فهناك حرس قديم وقوى أخرى في الحكم لا يرضيها صعودك ، وتعمل على عرقلة تقدمك لضمان عدم استغناء النظام عنها ، وأدري أن والدك بطبيعته العسكرية وحكم سنه المتقدم يفرمل من اندفاعك ويراجع أعمالك ، فهو كما قال سابقا لا يريد دخول التاريخ ولا الجغرافيا .. فهو لا يريد تغييرا إلا بقدر بسيط لا يضر بمصلحة الحكم (والتي هي مصلحة مصر في نظره) حتى ولو استمر تنفيذ التغيير قرونا طويلة .. كما أدري أن مرجعيتك الفكرية والسياسية وضغوط المصالح ولوبي رجال الأعمال تشكل لديك تصورا سياسيا مغايرا ، تتحكم فيه أيضا نزعات بشرية مفهومة تصبو (بالغريزة) إلى الحكم والسلطة .. ولكني رغم كل ذلك لم افقد الأمل في استمالتك إلى صفوف الحركة الوطنية .. قد يكون هذا سذاجة مني ، وقد تكون محاولة متواضعة لإنقاذ الوطن بدلا من التنافر الحاد الذي يسيطر على الحياة السياسية . [email protected]