ابن الكرنك من الزفاف إلى أول دبابة تعبر القناة.. بطل نوبى: يهودية عرفتنا من النوبة فأطلقت سراحنا.. وقبطى: الله أكبر كانت تهز العدو نصر أكتوبر المجيد ويوم الكرامة، هو يوم كل المصريين، شارك فيه كل أبناء الوطن من كل أطياف المجتمع فى الحرب.. لذلك شعر الجميع بالنصر بعد غسيل الهزيمة فى 67، واسترداد أرض الفيروز فى يوم الكرامة. الصعيد، لم يكن بعيدًا بمشاركته فى هذه الحرب، بل كان أبناؤه فى المقدمة كغيرهم من أبطال الحرب، التى شارك فيها مسلمون وأقباط، بعيدًا عن كل النزعات، إلا حب الوطن، والسعى لتحقيق النصر. كان أبناء محافظة الأقصر، ضمن هؤلاء الأبطال، حيث ترك أحدهم شهر العسل ليكون على أول دبابة تعبر القناة لكتابة يوم ميلاد جديد فى تاريخ مصر. كذلك شارك الأقباط، فى تحقيق هذا النصر، مؤكدين أن كلمة الله أكبر كانت تملأ الأجواء وصداها يخلع القلوب. "بسام حجازى".. أول من اكتشف ثغرة الدفرسوار: حررتنى يهودية من إسكندرية! مزق خطاب التأجيل ليدخل العسكرية، ليرى القدس الشريف وقبة الصخرة، وحضر نكسة يونيو 1976، ووقع فى الأسر، وحررته يهودية من أصل سكندرى، وقبل رمال سيناء بعد عبوره فى أكتوبر. أحمد حسين حجازى أحمد نصر– 74 عامًا – الشهير ب"بسام حجازى" ولد بقرية وادى العرب بمركز نصر النوبة بمحافظة أسوان، فى العام 1945، ومن ثم حصل على الثانوية الأزهرية، ليعمل بالسد العالى الذى وقع له على خطاب لتأجيل تجنيده لمدة ثمانى سنوات، حسبما كان ينص قرار من الدولة بتأجيل تجنيد العاملين بالسد العالى فى ستينيات القرن الماضى، ولكنه حينما كان متوجهًا إلى منطقة تجنيد أسيوط بالقطار قام بتمزيق خطاب التأجيل، ليتم تجنيده فى الثامن من يوليو 1965، ويتم إلحاقه بسلاح المدفعية بعيدة المدى بمنطقة الكونتلا التابعة لمدينة الحسنة بشمال سيناء. وأصبح حجازى، ضمن فريق الاستطلاع ليتيح له هذا الأمر الوصول لمناطق قريبة للغاية من مدينة القدس الشريف ليرى بعينيه قبة المسجد الأقصى. يقول حجازى: فى نكسة يونيو 1967، كان انسحابه وزملائه من منطقة الكونتلا فى القطاع الجنوبي، حتى الوصول إلى السويس، حيث كان سائقًا لإحدى السيارات محاولين العبور بأقصى سرعة للوصول إلى السويس، ولكن اعتراض الطيران الإسرائيلى منعهم من هذا. وأضاف: "الطيران فوقنا كان كله طيران إسرائيلى، وفضل يعمل تهويش عشان ننزل من العربية وأول منزلنا قذف العربية ودمرها". لافتًا, إلى أن الطيران الإسرائيلى كان يرغب فقط فى ضرب المركبات وليس الأفراد فى ذلك التوقيت. وتابع قائلا: "إننا مشينا على أقدامنا ما يزيد عن ال20 كم للوصول إلى السويس، وأثناء سيرنا وقعنا فى الأسر ثلاث مرات، وفى كل مرة يقولولنا امشوا من هنا علشان متقبلوش دورية لكن برضه كنا بنتأسر تانى معرفش هما كانوا عايزين يتوهونا ولا إيه بالظبط؟". وكشف حجازى، أن قائدة إسرائيلية ولدت فى الإسكندرية هى من ساعدهم على الوصول إلى السويس بعد أسرهم فى المرة الثالثة، حيث يقول: "القائد بتاع الدبابات الإسرائيلى كانت بنت نقيب من مواليد إسكندرية فهى قالتلى أنت نوبى؟ أنت من أسوان؟ قولتلها أيوه أنا نوبى.. قالتلى منين فى النوبة؟.. قولتلها من بلد نصر النوبة.. قالتلى أنا صحابى فى إسكندرية كلهم نوبيات.. قولتلها بس معرفش نوبة إسكندرية مفصحًا عن أنها بعد حوارها معه سألت عن الجنود الإسكندرانية فى الكتيبة وقامت بالسؤال عن بعض الشخصيات والأماكن، مما دعاها إلى توزيع مياه وأكل عليهم، ثم دلتهم على الطريق الصحيح للوصول إلى السويس. كما أشار حجازى، إلى أنه انتقل إبان حرب الاستنزاف من منطقة الإسماعيلية لمنطقة بورسعيد، ومن ثم العودة مرة أخرى إلى الإسماعيلية قبل حرب أكتوبر، مؤكدًا أنه كان يتواجد بمنطقة سرابيوم بفايد، والتى حدثت فيها الثغرة فيما بعد، لافتًا إلى أن دوره كان استطلاعيًا من أعالى الأشجار لمعاونة الإحداثيات وتبليغها للقيادة لضرب الأهداف فى عمق سيناء. واستطر البطل حجازى فى حديثه قائلاً: "كنا صايمين يوم 6 أكتوبر وجاتنا تعليمات بعد الظهر عشان نفطر، أول مجاتنا التعليمات دى فرحنا فرحًا شديدًا وزغردت العساكر لدرجة أن الفلاحين فى منطقة سرابيوم قالولنا أنتوا عندكم فرح ولا إيه وإحنا هيصنا ومرضناش نفطر وحلفنا أننا منفطرش والقوة من الله سبحانه وتعالى". وأوضح، أنه قام بتقبيل رمال سيناء حينما وطأها أول مرة بعد العبور، معللاً بأن هذا بسبب أن أول خدمته كانت فى سيناء. وعن كونه كان أول الجنود الذين رأوا إحداث الجيش الإسرائيلى لثغرة الدفراسوار، يقول حجازى: إنه كان فى مهمة إدارية فى شرق القناة بإحدى السيارات، فقام بإيقافه البوليس الحربى لعبور قوات عائدة، منوهًا أنه فى بادئ الأمر لم يثره الأمر حيث إنها مركبات مصرية تحمل العلم المصرى، ولكن آخر دباباتهم كانت نصف جنزير، بينما دباباتنا المصرية جنزير كامل، وهو ما أثار شكوكه نحو تلك العربات العائدة ففضل اتباعهم، مفصحًا عن أن تلك المركبات حين وصولها سرابيوم قامت بإطلاق النيران على الكتائب المتواجدة وإلقاء القنابل على بيوت الأهالى "المدنيين"، فقام بإبلاغ القيادة سريعًا بالأمر لاتخاذ اللازم. "أزمنت إسكندر": فى النكسة هللنا لطائرات العدو معتقدين أنها طائرات المشير!.. والعبور كان "زى ليلة دخلتى" يقص كل عام أحاديث الحرب "النكسة والعبور" على أهالى قريته بعد أن يجمعهم فى السادس من أكتوبر، ليخبرهم عن قوة الله الذى منحهم رد الاعتبار، مستعيدًا بطولات زملائه وتضحياتهم، ذاكرًا أسماء الشهداء واحدًا تلو الآخر، ليغرس فى سامعيه حب الوطن والجزء الأهم من تاريخهم الحديث. "أزمنت إسكندر بخيت عبد الله"، ابن قرية الرياينة التابعة لمركز أرمنت جنوب غرب الأقصر، والمولود فى العام 1946، لم يدخل المدارس النظامية، ولكنه يرى أن تعليمه فى الكتاتيب على يد الشيخ أبو المعارف أو فى الكنيسة على يد أديب الناظر أفضل من الشهادات الجامعية اليوم، مفتخرًا بكونه أحد أبطال حرب أكتوبر. انضم "أزمنت" إلى القوات المسلحة قبل عام من نكسة يونيو 1967، وبالتحديد فى ال2 من مايو 1966، لينهى تدريبه وينضم بعدها إلى سلاح المدرعات وبالتحديد إلى الفرقة الرابعة باللواء السادس الكتيبة 256، ليعمل سائقًا على إحدى المركبات وليتردد على مناطق الجفرة والروبيك وعبيد وجبل عساكر بمحافظة السويس. يتذكر صاحب ال75 عامًا، أيام نكسة يونيو 1967، حيث كان يتواجد داخل سيناء فى كتيبته، معربًا عن كونهم داخل الكتيبة ظنوا مع دوران الطيران فى مساء الرابع من يونيو أن المشير عبدالحكيم عامر يقوم بعمل جولة مرور على الكتائب المقاتلة، فقاموا بالتهليل والتصفيق للطائرات، ولكنهم فوجئوا مع فجر اليوم التالى بقذف المطارات من قبل تلك الطائرات، وأنه لا توجد أى مقاومة من جانبهم، فضلاَ عن اختفاء عدد كبير من القيادة. وتابع قائلاً: "مطلعناش طلقة ومفيش مننا مقاومة وجنودنا كالغنم اللى ملهاش راعى وبقينا فى حالة حزن واكتئاب". لافتا، إلى أن مهمته كانت تقتضى أن يقوم بإعادة الجنود إلى غرب قناةالسويس من خلال عربته. ويستطرد أزمنت إسكندر فى حديثه: إنه مع عبوره كوبرى الفيردان مقلاً مع المجموعة الأولى من الجنود تم قذف الكوبرى، مما جعله يجهش بالبكاء على زملائه الذين تركهم خلفه فى سيناء دون قدرة على إعادتهم. وأوضح، أنه قام بإخفاء مركبته الحربية تحت إحدى عمارات الإسماعيلية، وظل هو وزملاؤه دون أكل لمدة يومين، لولا أن أحد أهالى الإسماعيلية أرسل إليهم بعض المخبوزات، ومن ثم أعادتهم الشرطة العسكرية إلى معسكر الجلاء، الذى ظلوا به لمدة 15 يومًا ومن ثم إعادة ترتيبهم، بعد حفر خنادق فى مدينة نصر لإخفاء المركبات والمدافع الحربية، ومن بعدها توزيعنا على الكتائب بطريقة جديدة. وأكد، أنه خلال حرب الاستنزاف، تم استهداف طائرتين مقاتلتين للعدو، واستطاعوا أسر جنديين إسرائيليين، فى حين لقى اثنين آخرين حتفهما، لافتًا إلى أنه كانت مهمته فى تلك الفترة نقل الجنود والأدوات لبناء قواعد الصواريخ سام 2 وسام 3، ولكن نظرًا لأن الطيران الإسرائيلى كان يقوم بضربها فى الصباح، بعد أن كان الجنود والمهندسون يقوموا ببنائها ليلاً، جعل القيادة تفضل بنائها بمنطقة الماظة، ومن ثم تنصيبها فى مناطق قريبة من القناة، مما ساهم فى عدم استهدافهم من قبل طيران العدو. وعن يوم السادس من أكتوبر، يقول "أزمنت": إنه فور تبليغهم بالقرار ورؤية الطائرات تعبر القناة، شعروا كأنهم فى عرس كبير وكانت فرحتهم كبيرة للغاية، وخاصة أنهم فى التجنيد منذ ثمانى سنوات ومنهم من يصل إلى عشر سنوات، قائلاً: "كنا بنقول يا إما النصر يا إما الشهادة". وتابع قائلاً: بالرغم من وجود خطوط أنابيب نابالم، ومن بعدها خط بارليف وورائها المدفعية الثقيلة للجيش الإسرائيلى، إلا أن هذا الأمر لم يكن فارقًا معهم إطلاقًا مفصحًا عن كونهم كانوا يقولون "اللى يموت الحى يكمل طريقه". وأضاف، أن كلمة "الله أكبر" كانت لها رنة وصيحة تمنحهم القوة، مشيرًا إلى أنهم قاتلوا العدو الإسرائيلى قتالاً مريرًا، وأنه استطاعوا أن يهزم الجندى الإسرائيلى الذى يحمل بندقية آلية وهو ليس معه إلا طبنجة، وأن الجنود الصهاينة كانوا يهربون من أمامهم رغم سلاحهم المتطور. أول جندى عبر القناة بالدبابة: فضلت العبور على "شهر العسل" في أول أعوامه داخل الجيش، ذاق مرارة هزيمة يونيو 1967، ليقسم على سداد الدين، ففضل العبور على شهر العسل، ليعبر قناةالسويس بعد أسبوع من حفل زفافه. رشاد عبد الواجد، ابن الكرنك بمدينة الأقصر، أول سائق دبابة يعبر قناةالسويس في السادس من أكتوبر 1973. التحق رشاد، بالقوات المسلحة المصرية في بداية 1967، لينضم لتدريب المدرعات ويصبح قادرًا على قيادة الدبابات، ليتم إلحاقه بكتيبة في الجفرة، ثم يتم ترحيله إلى مدينة القصاصين بمحافظة الإسماعيلية، ليرى قسوة الانكسار في هزيمة يونيو 1967، دون أن يدخل أى حرب تذكر، ليأمل أن يحيا ليأخذ ثأره ويكتب انتصاره على العدو. قاد عبد الواجد، الدبابة رقم 134 بعد انضمامه للفرقة 16 مشاه بالكتيبة 18 ميكانيكا، محاولاً مع زملائه استنزاف قدرات العدو الإسرائيلي خلال حرب الاستنزاف. وأضاف، أنهم أصبحوا أكثر حرصًا بعد استشهاد الفريق عبدالمنعم رياض إثر قذيفة هاون أثناء تفقده الجيوش، حتى حال حصولهم على الإجازة، معربًا عن أنهم كجنود كانوا يسيرون ليلاً في الشوارع لمسافات طويلة في الظلام الدامس خشية من اصطيادهم من قبل قوات الجيش الإسرائيلى. وتابع قائلاً: بعد زفافه بأسبوع، كان "رشاد" يحمل كامل العدة والعداد في الخامس من أكتوبر 1973، منتظرًا صحبة زملائه صدور الأوامر بعبور قناةالسويس إلى الضفة الشرقية، آملين في سد دين عليهم وأخذ الثأر لما حدث لهم في 67، مقبلين على الموت والاستشهاد. وفي الثانية والنصف ظهر السادس من أكتوبر 1973، عبر رشاد عبد الواجد، قناةالسويس كأول دبابة تعبر القناة، بعد تحطيم الجنود المصريين لأسطورة خط بارليف المنيع، وكانت مهمته الأولى هو نقل بعض المعدات واستخدام الدبابات في تسهيل طرق العبور. وأشار، إلى أن اتفاقًا مسبقًا كان بينهم كجنود بدفن سريع للشهداء مع وضع خوذاتهم فوق الرمال لمعرفة مكان جثامينهم. كما أبلغ رشاد، قادته في بداية حدوث ثغرة الدفرسوار، حيث لاحظ عبور 4 دبابات إسرائيلية، ليتم أمره بإحراق دبابته بما فيها من مستندات، لأنها كانت المسئولة عن الإشارات، لافتًا إلى أنه انضم لزملائه من الجنود بعد إتلاف وتدمير كل الأجهزة التي قد يستخدمها العدو في دبابته، ليتحرك هو وزملاؤه إلى نقطة التقاء بعد حدوث وقف إطلاق النار بين الجانبين. وأوضح، أنه قام بدفن جثث زملائه، بعد توقف إطلاق النار، والأوامر التي تلقاها الجانبان من الصليب الأحمر بدفن الجثث وجمع الأشلاء، معربًا عن روائح طيبة ذكية كانت تنبعث من جثث الشهداء المصريين، على عكس ما ينبعث من روائح كريهة من جثث اليهود. وحين عودته من سيناء مستقلاً القطار للوصول لمسقط رأسه بالأقصر، كان يقف "رشاد" في كل محطة يسمع المزمار والطبول من قبل الأهالى لتهنئة ومباركة الجنود العائدين من أرض المعركة، وأولئك الذين ينتظرون وصول أبنائهم، لافتا إلى أن الأهالي كانوا يقدمون لهم الطعام والسجائر في كل محطة، ويسألونهم عن زملاء لهم. وعاد الجنود من أهل بلدتى "الكرنك" قبل منى، وهو ما ولّد شعورًا بالقلق حول مصيرى، وخاصة عند أهلى حيث لم أكن سوى عريس جديد لم يقض من حياته الزوجية سوى سبعة أيام فقط، مبينًا أنه تم استقباله استقبال الأبطال البواسل فور وصوله محطة الأقصر. "أبو عمرة": أصبت فى الغارة التى استشهد فيها الشهيد عبدالمنعم رياض.. وأخذت بالثأر بعد عبور القناة انضم للجيش قبيل نكسة يونيو 1967، التى يصفها بالخيانة، وأصيب خلال الاستنزاف، وتم استدعاؤه لخوض حرب أكتوبر 1973، أحمد أبو عمرة، ابن قرية الرزيقات قبلى التابعة لمركز أرمنت جنوب غرب الأقصر. يحكى أبو عمرة ل "المصريون"، أنه انضم للجيش فى ال24 من مايو 1966، لينضم لإحدى الكتائب المقاتلة فى المحور الأوسط بسيناء، والتى تم ضربها مع جميع المناطق العسكرية فى حرب الأيام الستة فى يونيو 1967، من قبل الطيران الإسرائيلى، ليهيم هو وزملاؤه فى صحراء سيناء القاحلة 15 يومًا للوصول إلى كوبرى الفردان بالإسماعيلية للعبور للضفة الغربيةللقناة بعد صدور أوامر بالانسحاب. وأضاف أبو عمرة، أن نكسة 67 لم تكن هزيمة حربية، فهم وكل الجيش المصرى لم يخض حربًا من الأساس، وإنما تمت خيانتهم وهو الأمر الذى أحرق قلوبهم، لأنهم وسموا بعار الهزيمة دون أن يخوضوا حربًا من الأساس، وهو ما جعلهم يشعرون بمرارة فى القلب ظلت حتى الانتصار فى أكتوبر المجيدة. وتابع قائلاً: بعد عودته من سيناء تم توزيعه على الكتيبة برقم 6 بالإسماعيلية، ليشارك فى حرب الاستنزاف، والتى أصيب خلالها فى ذراعه اليسرى وساقه اليسرى، أثناء الغارة التى استشهد فيها الفريق عبد المنعم رياض فى التاسع من مارس 1969. واستطرد فى حديثه عن ذكريات الحرب: بعد عودته من الإصابة ظل أبو عمرة فى كتيبته حتى 15 من يونيو 1973، وهو الموعد المحدد لانتهاء مدته فى الجيش، وبعد رجوعه لقريته فى صعيد مصر، وتعيينه بالمجلس القروى، تم استدعاؤه مرة أخرى فى بداية أكتوبر للانخراط فى كتيبته المقاتلة بالضفة الغربيةللقناة، وفور انضمامه شعر بأن اليوم ليس كالبارحة، حيث شعر أن هناك اقترابًا لساعة طال انتظارها، وهى عبور القناة وتحرير سيناء، وهو ما حدث فى ظهر السادس من أكتوبر 1973، حيث عبر مع الجنود. عاد أبو عمرة، بعد انتهاء الحرب، لعمله بمجلس القرية، حتى خروجه إلى المعاش، ولكنه حزينًا بسبب عدم الاهتمام ولا التقدير له كأحد المحاربين فى حرب أكتوبر المجيدة، حيث لم يتم تكريمه ولا زيادة معاشه ولم يلق أى اهتمام بالرغم من إصابته التى لا يزال يحمل ندوبها وآلامها حتى اليوم، لافتًا إلى أنه لم يدخل ضمن مصابى الحرب نظرًا لعدم حفظه جواب المستشفى حين إصابته. "الطيب": ربّ ضارة نافعة.. دانات العدو فجرت لنا المياه الجوفية حينما تنطق أمامه كلمة حرب أكتوبر، تنفرج أساريره وينسى ذكريات معاناته وينطلق اللسان في قص حكايات بطولات خلدتها رمال سيناء الغالية، وصدور رجالات النصر، إنه محمد الطيب، ابن قرية أبو مناع بحري التابعة لمركز دشنا بمحافظة قنا. بدأ الطيب، حياته العسكرية في مارس 1966، حينما توجه لمنطقة تجنيد أسيوط، ومن ثم ترحيله إلى حلمية الزيتون حيث يقضي شهرًا في مركز التدريب على استخدام الأسلحة العسكرية، ومن ثم تحويله إلى كتيبة المشاة الميكانيكي باللواء 11 مدرع بمنطقة كسفريت بالإسماعيلية، والتي قضى بها العام السابق لنكسة يونيو 1967. وانتقل الطيب، في مايو 1967، صحبة كتيبته إلى منطقة الشيخ زويد بشمال سيناء للانضمام للفرقة الرابعة والتي كان يترأسها الفريق صدقي الغول، ليتذكر بحسرة ومرارة الخامس من يونيو 1967. وتابع في حديثه عن النكسة قائلاَ: بدأت القوات الجوية الإسرائيلية في ضرب المطارات المصرية ثم أصبح الطيران الإسرائيلي متنزهًا في سماء سيناء يتجول حتى يكتشف رتلاً عسكريًا فيتم تدميره بالكامل. وأوضح، أنه بعد صدور أوامر الانسحاب من منطقة الشيخ زويد والتراجع لمنطقة الحسنة، تم استهدافهم من قبل الطيران الإسرائيلي حين عودتهم، مما أفقدهم عددًا من الدبابات والعربات، و الجنود، مما دعاهم لترك الدبابات والعربات والبدء في السير على الأرجل حتى الوصول إلى الحسنة ومن ثم ممر "متلا" للعبور للضفة الغربيةلقناةالسويس. ويتذكر الطيب، تلك العودة عبر متلا فيقول: "ممر متلا هو ممر ضيق بين جبلين أغلقته طائرات العدو حتى لا تعود الدبابات والعربات وأصبح ممر مشاة فقط، وطوله 30 أو 35 كم، وكنا ماشيين وإحنا شايلين روحنا على كفوفنا وكل شويه نسمع صوت الطائرات من فوقنا وتضرب علينا من أمامنا ومن خلفنا وفضلنا ماشيين لمدة 36 ساعة وكنا بنشرب من المياه الجوفية اللي طلعت نتيجة ضرب الدانات من قبل الطيران الإسرائيلى". وأضاف، أنهم بعد رحلة شاقة استطاعوا العبور للضفقة الغربيةللقناة، ومن ثم العودة إلى الإسماعيلية مهتدين بخط الأعمدة االتي تحمل أسلاك التليفونات، للوصول إلى معسكر أعد لتجميع القوات العائدة من سيناء. بقي العائدون من جنود مصر العائدون من النكسة في المعسكر لمدة شهرين حاول فيها مسئولو المعسكر إخراجهم من الحالة النفسية السيئة وغرس روح الانتقام لشرف الجندية المصرية الذي انتهك في حرب الأيام الستة. وتابع قائلاً: بعد خروجه من المعسكر التأهيلي وإعادة تشكيل القوات تم ضمه للواء 15 مدرع مستقل وتحركوا إلى أبو صوير، معتقدًا عن كون النكسة ساهمت في زرع إحساسين متناقضين أحدهما هو الحب الخالص للوطن والرغبة في التضحية بالروح لأجله، والآخر الكره للعدو. واستطرد في حديثه قائلاً: بعد الانضمام إلى اللواء 15 مدرع بدأ الطيب وزملاؤه من الجنود، في تلقي التدريبات القتالية العسكرية، إضافة، إلى تدريبات على عبور القناة بالدبابات البرمائية والقوارب المطاطية، فضلاً عن كونهم ظلوا في كر وفر مع القوات الإسرائيلية وفى ضرب متبادل طوال الست سنوات التي تلت النكسة وسبقت العبور. وأوضح الطيب، أنه خلال تلك الفترة تمت ترقيته إلى رقيب الفصيلة فكان يقود الدبابة بينما كان يقود الدبابة الثانية للفصيلة الملازم أول عمر حجازى، تحت إمرة قائد السرية أحمد فتوح، بينما كان قائد الكتيبة العميد باهر زكي واللواء عادل سوكة ومن بعدهما اللواء تحسين شنن. وفي الأول من يوليو تم إنهاء خدمة الطيب العسكرية، وهو ما جعله يشعر بالمرارة بسبب عدم مشاركته في رد الاعتبار، وغرس العلم المصري في قلب سيناء، مشيرًا إلى أنه أحس بالفرح حين تم استدعاؤه مرة أخرى للقوات المسلحة في منتصف سبتمبر 1973، ليعود لفصيلته رقيبًا وقائدًا لإحدى دباباتها، متابعًا، أنه حتى يوم السادس من أكتوبر لم يكن أحد يعرف أن هناك عبورًا للقناة رغم تأهبهم الكامل. وتابع قائلاً: "وصلنا بعد حوالي 6 ساعات من ساعة الصفر لشاطئ القناة بعد مسيرة شاقة للدبابات في الصحراء، وبدأنا في عبور القناة من منطقة البلاح بالقنطرة غرب وتشنج سائق الدبابة من رهبة الموقف وعظمة الأمر وغزارة الضربات التي يطلقها العدو الإسرائيلي فقمت بقيادة الدبابة البرمائية في القناة بعد ذلك. يقول محمد الطيب، مفصحًا عن أنه فور نزوله ماء القناة أحس بأنه ترك خلفه الحسرة والخيبة التي حملها منذ ستة أعوام كاملة. وأضاف، أنهم تمركزوا بعد وصولهم لعمق ثلاثة كيلومترات بسيناء، ومن ثم الاشتراك في الأعمال القتالية ضد العدو حتى التاسع من أكتوبر، لتصل الأوامر بتقدمهم والتمركز على بعد 4 كيلومترات من موقع تمركزهم الأول. وقام محمد الطيب، بالمشاركة في خندقة الدبابات الخاصة بفصيلته حتى تختفي عن أعين العدو، وعمل خنادق للتحصين ليلوذ بها الجنود وتبعد 15 مترًا من خندق الدبابة، مضيفًا أنهم استمروا في القتال مع العدو حتى السابع عشر من أكتوبر.