الأزمة الحقيقية التى تواجهنا فى مصر الآن هى أزمة ضربت الأخلاق فى مقتل عند كثير منا، فنحن ضربنا ضربة موجعة فى أخلاقنا وضمائرنا وللأسف أن هذا العطب أصاب الجميع الأغنياء والفقراء، المتعلمين ومن هم دون ذلك، النخبويين والمتلهفين لأن يكونوا نخبًا، المسئولين والرعية، لم تنجو مؤسسة ولا هيئة من أزمة الأخلاق هذه، وسنختار هنا قطاعًا من قطاعات الدولة الكثيرة، وليكن قطاعًا مليئًا بالمشاكل مثل قطاع السكة الحديد كمثال صارخ على الفساد الفطرى بل والممنهج، وبصفتى مترددًا كثيرًا على القاهرة من الصعيد والعكس، تعال مثلاً اركب القطار، وأنا هنا أتحدث عن الدرجة الأولى وليست الثانية ولا الثالثة، وكم هى مكلفة ثمن التذكرة بها، هذا إذا وجدتها من الأساس ما لم تبادر بالحجز قبلها بأسبوعين، يعنى كى تحصل على تذكرة لابد أن تكون عارف هذا الموضوع مسبقًا، لكن السفر المفاجئ ما ينفعش اللهم إن كان لك معرفة كبيرة فى السكة الحديد أو أحد ممن يطلب فيجاب طلبهم على الفور، لكن لو أنت لا من هؤلاء ولا هؤلاء يبقى شىء كويس لو حصلت على تذكرة بالصدفة، ولو ما لقيتش وعايز تركب أى عربة مكيفة من أجل أن تقف تجنبًا لحرارة الجو الممزوج برائحة دخان السجائر الكريهة ستجد العجب داخل أى عربة قطار، أحيانًا تجد عائلة كاملة أطفال وأم وأب وأنا أقر بحقهم فى ركوب القطار وركوب الدرجة التى يرغبونها، ولكن الخلل هنا فى أنك تجد بعض ركاب الدرجة الأولى بدون تذاكر وبدون ما يدفعوا لمجرد أنهم تبع الكمسرى الفلانى، أفراد معاهمش تذاكر لمجرد أنهم تبع أمين الشرطة العلانى، واحد تبع فلان بيه وعلان باشا، وما زال هذا الوضع قائمًا حتى بعد الثورة.. وهكذا حال الركاب. تعال للعربة نفسها إما شديدة البرودة إذا كان التكييف يعمل، لأن التكييف لا بيعلى ولا بينخفض فى أحيانًا كثيرة هو شغال كدة مع نفسه مع أنه يوجد مهندس تكييفات فى القطار أو شديدة الحرارة لأنه عطلان، وهكذا تحدث مشادات ومشاحنات بين الكمسرى والركاب، أو الركاب وفنى التكييف حتى نهاية الرحلة، نخلص من هذا إلى أن كل مسئول عن عمل فى هذا القطاع لا يؤديه بصورة سليمة، أضف إلى ذلك عدم الصيانة وتهالك الأجهزة ومعدات التشغيل، صحيح أن هناك الكثير أيضًا ممن يعملون بجد ويتفانون فى تأدية عملهم ولكنه غير ملموس بجانب السلبيات الكثيرة الموجودة. نعود إلى أزمة المياه والكهرباء، فى تصورى أن هذه الأزمات كلها بفعل فاعل والبعض يراهن على ذلك، وقليلون مدفوعون إلى هذا رضاء أو إغراء، وعدد من المسئولين يؤثر السلامة ويبتعد عن مواجهة المشاكل لأنه أصبح واضحًا للعيان أنك لما تثير المشاكل فى كل قطاع وخصوصًا ما يمس حياة الناس، أليست هذه مسئولية المحافظين ورؤساء المدن والأحياء وجيش الموظفين والمهندسين والفنيين فى كل قطاع؟، أين دور شرطة المرافق فى مثل هذه الظروف؟، هل المطلوب أن الناس تتخنق لكى تهيج وتنزل الشوارع وتنادى بإسقاط الرئيس؟، وده المطلوب وده إللى بيخطط له منذ تولى الرجل مسئوليته، وده إللى البعض عايزينه يحصل فى الأيام القادمة، ولكن الله لهم بالمرصاد وها يخيب ظنهم وكل ما بيحفروا حفرة هم إللى بيقعوا فيها، ومن يزرع الشوك يجنى الجراح وعايزين ييجى رئيس شخشيخة يقول آمين للطابور الخامس إللى شغال فى مصر، ويتحالف مع إسرائيل وأمريكا ضد مصر والعرب، عايزين واحد تفصيل على مقاسهم عشان نرجع للدوامة القديمة ونعود كما كنا، ومن صنع الانفلات قادر على تهدئته، وتعود ماكينة الفساد الجهنمية لتعمل من جديد فى الفساد والإفساد من جديد، هذا هو المطلوب يا سادة وساعتها يذهب الشعب الذى ينتظر الخروج من المأزق الذى وضع فيه طوال سنوات عجاف إلى الجحيم لأن دى طبيعتنا يا واحد يقهر الجميع ويكمم الأنفاس ونحن عشنا هذا الوضع قبل الثورة، لكن لما يكون لدينا رئيس منتخب ديمقراطى ولما ما يعجبناش حاجه نطلع نبلطج عليه ونقل أدبنا عليه ونشتمه ونهينه وننسى أنه رئيس جمهوريه منتخب، لابد أن نستعيد الأخلاق التى فقدناها لأنه من العار أن نظل على هذا الحال نشتم فى بعض على الفضائيات والعالم بيتفرج علينا، نحن فى النهاية من هذا البلد ولن يسعنا بلد سواه مهما طالت الغربة بالبعض، ولن نتركه أو نساوم عليه كما يفعل البعض، هل يعقل أن أى مشكلة كبرت أو صغرت تحدث فى أى مكان يخرج الناس لقطع السكة الحديد والطرق العامة والرئيسية؟، هل يعقل أن أى واحد فى مستشفى لم ينل الرعاية إللى هو عايزها يقوموا أهله وجيرانه على المستشفى ويضربوا الأطباء ويكسروا الأجهزة؟، هل يعقل أن موظفى المستشفيات الجامعية يغلقوا المستشفيات ويبلطجوا على مدير المستشفى ورئيس الجامعة لأنهم بيطالبوا بزيادة فى رواتبهم؟، هل هذه الأخلاق التى يتميز بها المصريون؟، هل هذا العطب أصابنا فى الماضى ولما قامت ثورة 25 يناير أزاحت التراب عنا فظهرت الأخلاق الحقيقية للبعض؟، لابد من إعادة نظر فى كل ما حولنا وما يحدث لنا، لابد أن ننظر إلى هذا الموضوع بتجرد وبعيون محايدة ومن منطلق المصلحة العامة وليس من منظور حزبى حتى تسير القافلة وترسوا فى بر الأمان. هل من أخلاق المصريين أن تجد البعض يتطاول على رموز الدولة كبر مكانهم أو صغر؟، هل من شيم المصرى أن يخرج علينا البعض فى وسائل الإعلام الملاكى يحذر الإسرائيليين من رئيس دولته ومن فصيل معين فى بلده مهما اختلفت الآراء والأيديولوجيات؟، هل يعقل أن يخرج علينا أحد النخبويين أو مجموعة منهم ويقول لك أحدهم على الملأ أنا لم أنتخب الرئيس إذًا هذا الرئيس لا يمثلنى ولا أعترف به هل هذا معقول؟، هل هذه أخلاق المصريين؟، هل يعقل أن بسبب مكوجى اتحرق منه قميص مواطن فى دهشور يحدث كل ما حدث؟، أليست هذه مسألة أخلاقيه بحتة لا علاقة لها بالدين؟، والاعتداء على فنادق النايل سيتى أليس هذا بلطجة وتطاول؟، ماذا تفعل لو أنت راكن سيارتك فى الشارع التى تقع فيه هذه الأبراج وإللى أنت يمكن شاريها بالقسط تنزل تلاقيها قطعة متفحمة من الخردة؟، هل هذه أخلاق بشر؟، أفيقوا أيها المصريون قبل فوات الأوان، فكل الأمراض يمكن علاجها إلا فساد الأخلاق، والحماقة أعيت من يداويهم. [email protected]