أفاق عالمنا الإسلامى منذ أيام قليلة على حادث جلل، أصاب قلوب المحبين لرسول الله صلى الله عليه وسلم بصدمة مؤلمة وجرح يحز فى نفوسهم، إذ عاود المتطاولون كرتهم ليسيئوا إلى مقامه الشريف، حيث قام شرذمة من الحاقدين من الصهاينة وشلة من أقباط المهجر بدعم من يهود أمريكا بإنتاج فيلم سيئ يتناول رسولنا الكريم - صلى الله عليه وسلم- بالسخرية والأكاذيب والتشويه والتضليل، وعلى إثر ذلك هبت الملايين الغاضبة من أمة الإسلام لتعلن "إلا رسول الله"، وتفجرت براكين الغضب نصرة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا تكاد قرية أو مدينة على وجه الأرض إلا وعلى ظهرها غاضبون متألمون لما حدث.. والغضب فى هذا الموقف حقٌ مشروعٌ وواجب شرعى، وإن لم يغضب المسلم لمثل هذا الأمر فمتى سيغضب؟ وينبغى أن يكون غضبنا منتجًا لأثره معبرًا بصدق عن الحق الجلى الواضح، ومع الاحتراز من الوقوع فى الفخاخ التى تنصب للأمة الإسلامية، حيث يتربص بها أعداؤها لينالوا منها وهم يعلمون مدى حب المسلمين لدينهم ومقدساتهم ولرسولهم الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا ما عبر عنه بقوة الرئيس الدكتور محمد مرسى بالخط الأحمر الذى لا ينبغى لأحد أن يتجاوزه. كان لافتًا للنظر أن توقيت نشر الفيلم والحديث عنه قد اختير بدقة متناهية ليخدم أهداف أصحابه المجرمين، فمن ناحية تزامن نشر الفيلم مع الذكرى السنوية لأحداث 11 سبتمبر ذات الإيحاءات التآمرية، وهدف ذلك تذكير الرأى العام العالمى بقصة الإرهاب الدولى - التى بذلت الصهيونية والقوى المعادية للإسلام - جهودًا جبارة لإلصاقها بالإسلام والمسلمين، وكأن الفيلم السيئ - وما توقعه منتجوه من ردود أفعال المسلمين الغاضبة - تذكيرٌ للرأى العام العالمى بكذبة الإرهاب الإسلامى. ومن ناحية أخرى، جاء توقيت نشر الفيلم مواكبًا للحظات الهامة التى شرعت فيها الشعوب العربية الثائرة أن تسلك سبيل العافية والخروج من عنق الزجاجة والمضى قُدمًا على طريق تأسيس الدولة الحديثة، ففى الوقت الذى بدأت بوادر الخير والتعاون بين دول الربيع العربى - وخاصة مصر - وبين دول العالم بشرقه وغربه جاء نشر الفيلم ليصب فى خانة تشويه صورة الشعوب العربية، وتلغيم طريق التعاون الدولى، وإشعار رأس المال العالمى بالخطر حتى يتراجع عن الاستثمار فى دول الربيع العربى. ومن ناحية ثالثة، تضمن المخطط الإجرامى إضافة جديدة لا تحتاج إلى بذل جهد فى معرفة غرضها الخبيث، نحن ندرك جيدًا أن هذا الحدث ليس الأول من نوعه بل سبقه أحداث متشابهة فى هولندا والدنمارك، الجديد هذه المرة أنه تم استدعاء عنصر جديد لم يسبق له المشاركة فى أحداث سابقة تنال من المقدسات الإسلامية أو تعتدى على مقام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا العنصر المستدعى إلى ساحة العدوان هذه المرة تمثل فى مجموعة من أقباط المهجر شاركوا فى المسئولية عن الفيلم السيئ، وهذه المشاركة تحمل بعدًا جديدًا لم يكن مقصودًا فى الأحداث السيئة السابقة التى اقتصرت المشاركة فيها على أشخاص وجهات وهيئات غربية ليس بينهم عربى أو مصرى، لكن فى هذا الحدث برز فى المقدمة بعض أقباط المهجر ليكون عنصرًا استفزازيًا يؤجج نيران فتنة فى الداخل المصرى يسعى أعداء مصر إلى إيقادها بين الحين والآخر، إذ كان من المتوقع - على إثر نشر هذا الفيلم السيئ ومعلومية أنَّ أقباط المهجر مشاركون فيه - أن تهبَ فى مدن وقرى مصر مظاهرات غاضبة تنتصر لرسول الله صلى الله عليه وسلم وتثأر له وتصب غضبها فى المواطنين الأقباط وتنشب معارك ويسقط قتلى مما يؤدى إلى فتنة طائفية ينتظرها أعداء مصر المتربصون بها، وعلى الأقل تعم فى مصر فوضى وأحداث عنف وشغب تكون كافية لإجهاض المجهودات التى بذلها الرئيس الدكتور محمد مرسى وحكومته سواء على المستوى الداخلى، واستعادة الأمن وحل المشكلات التى يعانى منها أهل مصر، أو على الصعيد الدولى واستعادة مصر لمكانتها الدولية فى وسطها العربى ومحيطها الإفريقى وعالمها الإسلامى، وعلاقاتها مع دول العالم وجذب رءوس الأموال الأجنبية لتنمية البلاد ونهضتها. لقد خاب سعى المتربصين المجرمين، وفشل مخططهم بحمد الله تعالى إذ وفق شعوب دول الربيع العربى - وأخص الشعب المصرى - إلى امتصاص هذه الهجمة الشرسة، وتجاوز نقاطها الخطرة وأبعادها التآمرية، ساعد على إنجاز ذلك تلاحم كثيرين من حكماء الأقباط فى مصر من أتباع الكنائس الثلاث مع إخوانهم المسلمين، وغضب الجميع من الحدث والمجرمين المشاركين فيه والمتآمرين على الوطن. ويطيب لى أن أرطب قلوب محبى رسول الله - صلى الله تعالى عليه وسلم - بهذا الحديث العذب عنه، ولنتذكر فى غمرة هذه الأحداث أن المقام الرفيع له لا ولن يتأثر بشىء من السخافات والعدوان عليه، ونتذكر القيم العليا والأخلاق الطيبة والمثل السامية التى تجسدت فى شخصه الكريم، نتذكر رسالته الخاتمة وسنته الباقية ومشروع إنقاذ البشرية من الهلاك فى الدنيا والخسران فى الآخرة، وكيف كان رحمة للعالمين وكان رحمة مهداة من رب العالمين، بشر المؤمنين وأنذر العصاة، وانحاز دائمًا للحق وحكم بالعدل فما زل وما ضل، صلى الله عليه وسلم. إنَّ القلوب مشتاقة إلى لقياه، والنفوس تواقة لرؤياه، والعيون تتوق للنظر إلى وجهه الحبيب، وقد حُرمنا من كل ذلك الفضل فى الدنيا وندعو الله تعالى أن يُعوضنا فى الآخرة صحبته ومرافقته فى الفردوس الأعلى، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذى نفس محمد بيده! ليأتين على أحدكم يوم ولا يرانى.. ثم لأن يرانى أحب إليه من أهله وماله معهم".. رواه مسلم فى الفضائل، باب فضل النظر إليه وتمنيه(4/1836).