انتهينا بالمقال السابق إلى أن فساد التعليم جعلنا (أمة فى خطر).. ويكفى أن العرب فقدوا الثقة فى خريجينا وباتوا يفضلون الهنود والباكستانيين والسودانيين. وبداية فلا مفر من إعادة الانضباط إلى المدارس والجامعات بالإجراءات الإدارية الحازمة التى كانت مطبقة وناجحة فى الماضى القريب.. ويجب ألا يكون هناك مكان لمسئول يقصر فى أداء هذا الواجب. كما ينبغى أن تتضافر كل الجهود والمؤسسات لإزالة تشوه مفهوم التعليم، وإعادة القناعة بأن من ينجح بالغش لن يستطيع مواصلة تعليمه.. وهذا لن يتأتى إلا بإعادة الانضباط والاحترام إلى الجامعات أيضا، ويساعد فى ذلك ألا تكون الشهادة بمفردها هى المؤهل الوحيد للعمل. فمع كثرة الجامعات الإقليمية والخاصة يصعب تصور أنها كلها تعد خريجيها بالمستوى العالمى المطلوب، أو حتى بمستوى متقارب داخل مصر.. وغياب جامعاتنا عن الترتيب العالمى خير دليل. لابد من وجود مرجعية تشير إلى مستوى الجامعة ومدى جديتها، من طرف محايد (محلى أو خارجي) لاختبار الخريجين ومراجعة الحد الأدنى من المعرفة اللازمة لكل تخصص، واعتماد الشهادات بناء على ذلك. ليس معقولا أن يتساوى خريج جامعة خاصة ربما نجح بماله، أو جامعة حديثة العهد لا أحد يدرى كيف تدار امتحاناتها، مع خريج جامعة كبيرة ما زالت تتمتع بالجدية. لقد ازدهرت الجامعات والمعاهد الخاصة فى ظل الفساد بأسوأ حقبة مرت بها مصر، ونعتقد أن إفساد التعليم كان مقصودا لدعم هذه الجامعات، مثل تعمد تقليص جودة رغيف الخبز المدعوم لتنفير الناس منه ودفعهم إلى غير المدعوم. والجامعات الخاصة تقبل صراحة ضعاف التحصيل بما لا يقل عن 10% بالثانوية، مقارنة بمثيلاتها الحكومية.. وكأن لديهم عصا سحرية لتبديل حال الطالب الذى ربما لا يجيد القراءة والكتابة!. ومعلوم أن الرسوب (ممنوع) بهذه الجامعات بحجة أن الآباء دفعوا الكثير ويصعب تحميلهم هذا المال مرتين أو أكثر!!. لا مفر إذاً من تدخل الدولة ووضع ضوابط صارمة تضمن الجودة وتخريج من نطمئن إلى تحملهم مسئولية العمل الجاد الذى يبنى وطنا ويصنع نهضة. لو نجحت الدولة فى منع الغش (بأنواعه) بالجامعات كافة، وفرض الجودة على الجامعات الخاصة.. فسوف تعود إلى التعليم العام الهيبة والجدية المفتقدة؛ حين يدرك الناس أن مجرد عبور الامتحان دون تعلم لن يفيد. ونعتقد- بعد زيادة دخول هيئات التدريس- أن الوقت قد حان لمنع فساد الجامعات: إهمال المحاضرات لصالح الدروس الخصوصية، الاتجار فى الكتب (الرديئة)، بيع الامتحانات من خلال (الشيت)، التهاون فى منع الغش، .. إلخ؛ مطلوب إجراءات رادعة تصل إلى الفصل.. وعلى الطلاب الثوريين تحمل المسئولية والإبلاغ عن مافيا الدروس الخصوصية أو نشر أسمائهم على مواقع التواصل. أما التعليم العام.. فقد صرح وزير التربية والتعليم بأنه سوف يعيد الطالب والمعلم إلى المدرسة، وهذا هو المطلوب وإن كان المعلمون قد سبقوا السيد الوزير وبدأوا الدروس الخصوصية مبكرا منذ أكثر من شهر، وأولياء الأمور يتخوفون من عدم القدرة على ضبط المدارس ويخشون غضب مافيا الدروس الخصوصية الذين لا تستطيع إلحاق الأبناء بهم إلا بالحجز المبكر، وأحيانا بالواسطة! والسبيل الوحيد لعودة المدرسة إلى وضعها هو عودة العملية التعليمية إلى مسارها القديم الذى كان قبل عهد المخلوع الذى حول التعليم إلى عملية تلقين وحفظ, وروج الدروس الخصوصية, ونقل العملية التعليمية إلى البيوت والمكاتب الخاصة، وتكفى معركة أو إرهاب الثانوية العامة لإثبات فشل هذا النظام. وعلى الرغم من أن مستوى التعليم واضح من مستوى الطلاب الملتحقين بالجامعة ومستوى الخريجين الذى أخذ فى التدنى من سنة لأخرى.. فإن قيادات الوزارة يزعمون أنهم طوروا التعليم بدليل حصول الطلاب على الدرجات النهائية فى الثانوية العامة!.. وهذه سياسة مقصودة، بتسهيل الامتحانات ليحصل الأوائل - الذين كانوا يحصلون بالكاد على تسعين بالمائة أيام التعليم الحقيقي - يحصلون على أكثر من مئة فى المائة. والعجيب أن الوزارة أغمضت العين عن الإرهاب الإعلامى وضغط الرأى العام على واضعى الأسئلة.. ولا ندرى ما دخل الصحف والفضائيات وأولياء الأمور بالامتحانات التى يجب أن تكون تقييمًا أمينًا ونزيهًا لمستوى الطلاب?! إن سياسة (امتحان بمستوى الطالب المتوسط) هى غش مقنن، لأن هذا يخلط الحابل بالنابل ويعرقل اكتشاف المواهب وتمييز الطالب المجتهد. وهى سر تفاقم الدروس الخصوصية وانتشار كتب (الملخصات) لأن المطلوب أصبح مجرد الحفظ والتدريب على إجابة الأسئلة وليس التعلم والفهم. إن حصول أعداد كبيرة من الطلاب على 100% دليل واضح على انهيار التعليم، ولقد جربنا هؤلاء المتفوقين فى مسابقات أوليمبياد الكيمياء وأثبتوا للأسف أنهم دون المستوى، ولا أريد أن أقول (أميين) لأنه لا ذنب لهم. والعجيب أن الوزارة أصبح لديها (عقدة ال 100%) ولا تعترف إلا بالدرجات النهائية!. إذ تشترط مثلا للالتحاق بمدرسة زويل حصول طلاب الإعدادية على الدرجات النهائية بالمواد العلمية، وتركت أوائل المدارس (بالمجموع الكلي) الذين فقدوا نصف درجة بهذه المواد؛ لقد صارت عقدة بالفعل! إذا كان الوزير يريد أن يعيد التعليم إلى المدارس فلا بديل عن عودة الامتحانات إلى طبيعتها وفك عقدة الدرجات النهائية، بالتخلى عن امتحان (مستوى الطالب المتوسط). لابد أن يفهم أولياء الأمور أن الامتحانات لن تكون فى مستوى الطالب (الخائب) ولكنها ستقيس مستوى التحصيل لكى يتجرأوا ويعيدوا أولادهم إلى المدارس. لابد أيضا من منع الكتب الخارجية مع تطوير كتاب الوزارة الذى تنفق عليه المليارات ويوضع بالقمامة. - وهمسة أخيرة لوزير التربية والتعليم: إعادة التصحيح لطلاب الثانوية العامة (صورية) باعتراف قيادات الوزارة الذين يقولون لا بديل عن اللجوء للقضاء!، ولا تهدف إلا لجمع المال.. وهناك مظالم كثيرة ولدى أمثلة إن أردتم. [email protected]