لا يكاد الجدل يهدأ فى بلادنا حتى تُثار قائمة جدلية جديدة يطرحها البعض وينشغل بها الكثيرون، وكأنَّ قدر الشعب المصرى أن يبقى أسير الجدل حتى يكره التغيير الذى قطع شوطًا جيدًا منه، وأقدر جيدًا نصيحة الإمام الشهيد حسن البنا: "لا تُكثر الجدل فى أى شأن من الشئون، فإنَّ المراء لا يأتى بخير"، وهو يشرح حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "أنا زعيم بيت فى ربض الجنة لمن ترك المراء ولو كان محقًّا". وفى الفترة الأخيرة، لقى الرئيس محمد مرسى تأييد غالبية الشعب المصرى وهم يُشاهدون ويُتابعون خطواته وقراراته وجولاته الخارجية ولقاءاته المتنوعة والمتعددة، أضف إلى ذلك ما لمسه الكثيرون من تحسن كبير طرأ على ملف الانفلات الأمنى والمرور، وكذلك أزمتى الخبز والقمامة، وما وصل إليه حال الوقود والطاقة وهى أمور تهم الملايين من أبناء الشعب المصرى، وقد ترك انطباعًا جيدًا ومنحهم تفاؤلاً بالمستقبل، وشعر غالبيتهم بحالة رضا عن مسيرة الرئيس وقدرته على قيادة البلاد فى الفترة القادمة. ثمَّ خرج علينا بعض السياسيين - ويتقدمهم أحد المرشحين الخاسرين فى انتخابات الرئاسة - ومعهم بعض الإعلاميين، يطالبون بإجراء انتخابات جديدة على منصب رئيس الجمهورية عقب موافقة الشعب على الدستور الجديد، ويطالبون بعدم إكمال الرئيس محمد مرسى لفترة رئاسته، وكأنَّ إرادة الملايين التى شاركت فى الانتخابات مرتين لا قيمة لها ولا اعتبار، ويبررون رأيهم بأنَّ الدستور الجديد يستلزم إجراء انتخابات جديدة، وبخبث لا يُحسدون عليه يقولون إن الرئيس مرسى لا يُضيره شىء، فإذا كان محل ثقة الشعب فسوف ينال ثقة الأغلبية ويُعاد توليته من جديد، ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل أعلن أحد الإعلاميين - فى مستهل تقديمه لبرنامج تليفزيونى- أن القوى السياسية والليبرالية واليسارية سوف تحارب من أجل أن تكون هناك انتخابات جديدة لرئاسة الجمهورية، وظنى أن حالة الإفلاس السياسى التى أصابت بعض السياسيين تجلبُ عليهم سخريات جموع الشعب المصرى وتهكمات القوى الدولية، ووفقاً لهذا التصور المعوج ستظل مصر تعيش حالة الانتخابات طيلة عمرها ويتفرغ المصريون لهذا الأمر، ذكرتنى هذه المجموعة بسلوكنا الصبيانى حين كنا نلعب الكرة فإذا خابت وخسرنا نطالب بالإعادة وإلا لن نكمل اللعب، ولى على هذا الرأى عدة ملاحظات هامة: الأولى: أن الفكرة طُرحت من قبل الشروع فى العملية الانتخابية، ونادى البعض بأن يكون الرئيس القادم مؤقتًا لمدة عام، وقيل عامين، لكن استقر الأمر على أن تكون مدة الرئيس القادم أربعة أعوام كاملة وهذا ما نصت عليه المادة 29 من الإعلان الدستورى الصادر فى 30 مارس 2011: "مدة الرئاسة أربع سنوات تبدأ من تاريخ إعلان نتيجة الانتخاب، ولا يجوز إعادة انتخاب رئيس الجمهورية إلا لمدة تالية".. وهذا النص وضع قبل انتخابات الرئاسة بأكثر من عام، وكان معلومًا للكافة أنَّ مدة الرئاسة أربعة أعوام كاملة، كان الراغبون فى الترشح لهذا المنصب يعلمون ذلك، وكان الناخبون المصريون فى داخل البلاد وخارجها يعلمون ذلك، وكان العالم كله يدرك ذلك جيدًا أن الرئيس القادم لمصر ستكون مدته أربع سنوات كاملة، ومن ثمَّ اتجهت إرادة الجميع لإنجاز انتخابات الرئاسة وأسفرت نتيجتها عن تولى الرئيس محمد مرسى لرئاسة الجمهورية ولمدة أربع سنوات تبدأ من تاريخ إعلان النتيجة وهو يوم 24 يونيه 2012.. والقول بغير ذلك إهدار لإرادة الأمة، وتضييع لأموالها وأوقاتها واستقرارها، وكيف ينظر لنا العالم الخارجى، وكيف تُدار شئون البلاد على المستوى الداخلى أو الدولى؟ يا سادة حتى اللعب له قواعد وأصول، على الجميع احترامها والالتزام بها. الثانية: أنَّ الفكرة تخالف السوابق الدستورية السابقة، فعقب تولى الرئيس الراحل أنور السادات لرئاسة الجمهورية عام 1970 شرع فى تشكيل لجنة لوضع دستور للبلاد، وفى11 سبتمبر 1971 وافق الشعب على الدستور الذى سُمى بالدستور الدائم، وقد تضمن الدستور فى الباب السادس أحكامًا عامة وانتقالية، ورد فى المادة رقم 190 منها النص على "تنتهى مدة رئيس الجمهورية الحالى بانقضاء ست سنوات من تاريخ إعلان انتخابه رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة".. فوضع دستور جديد لم يمنع الرئيس الأسبق من إكمال مدته التى جرى الاستفتاء عليها قبل وضع الدستور، فما بال هؤلاء برئيس انتخب بإرادة شعبية شهد لها الجميع؟.. ومن ثمَّ أرى أن يتضمن الدستور الجديد مثل هذا النص السابق فى دستور 1971 فى باب الأحكام العامة والانتقالية، وأن ينص صراحة على أن تنتهى مدة رئيس الجمهورية الحالى بانقضاء أربع سنوات تبدأ من تاريخ إعلان النتيجة. وقد يُثار سؤالٌ حول التصرف حيال ما إذا رأت اللجنة التأسيسية أن تكون مدة الرئاسة مساوية لمدة عضوية البرلمان، وإذا رأت أن تكون مدة البرلمان خمسة أعوام، وتقديرى: أيًا ما كانت المدة التى سيُنصُ عليها فى مشروع الدستور الجديد فإنها تنصرف إلى أول رئيس يتم انتخابه فى ظل الدستور الجديد، ويكمل الرئيس محمد مرسى مدته كاملة وفقا للنص الذى كان ساريًا وقت إجراء الانتخابات، وتجرى عندها انتخابات جديدة تكون مدة الرئيس القادم وفقا لما سيُنصُ عليه فى الدستور الجديد. الثالثة: أنَّ مثل هذه الأفكار من شأنها أن تثير البلبلة والجدل، ويراد لها أن تحدث اهتزازًا للثقة التى حظى بها السيد الرئيس سواء على الصعيد الداخلى أو المحيط الدولى، وقد بدأ يخطو خطوات واثقة تُحيطه مظاهر التأييد الشعبى الذى تتسع دائرته يومًا بعد يوم، وأرى أن مثل هذه الأفكار ستعمل على عزل أصحابها عن محيط الفعل السياسى المؤثر الذى يساهم فى عملية البناء الوطنى، وتضعهم فى خانات المشاغبة السياسية، لاسيما أن غالبية الشعب المصرى بلغت درجات عالية من الوعى والإدراك، وتمتلك القدرة على التمييز والفرز، وصار من الصعب المحال أن يتم خداعه من جديد، فقد وعى الدرس جيدًا. الرابعة: أنصح الراغبين فى المنافسة أن يبحثوا عن وسائل وأساليب جديدة للتقرب إلى جموع الشعب المصرى، وأن تعود إلى القرى والنجوع والمراكز والمناطق الشعبية ويكونوا فى خدمة الشعب حتى ينالوا ثقته، ويستعدوا للاستحقاقات النيابية القادمة، ولا ينتظروا أن تحملهم الجماهير على أكتافهم لمجرد أنَّ عندهم فكرة. ختامًا.. نأمل أن تكون المرحلة القادمة فرصة للتعاون على استكمال بناء مصر الجديدة، وأن تتضافر الجهود الوطنية خلف الرئيس مرسى حتى تجتاز البلاد هذه المرحلة الحرجة من تاريخ مصر، وظنى أنَّ جموع الشعب المصرى أدركت خطورة الموقف الراهن وصار لها قرارها الحاسم الذى يصب فى صالح مصر، والحفاظ على مكتسبات الثورة، واستكمال تحقيق أهدافها، وعسى أن يكون قريبًا.