يؤكد عرض الفيلم المسىء لرسول الإنسانية محمد (صلى الله عليه وسلم)، والذى قام به قلة من شياطين الإنس تلك المقولة التى أطلقها (فريدريش ديرنمات) Friedrich Dürrenmatt فى عام 1990م أن الإنسانية غارقة فى أزمة رهيبة. وهذه الأزمة الرهيبة لا تكمن من وجهة نظرنا فى تلك الأزمات والكوارث والمخاوف التى تعانى منها المجتمعات وتهدد أمنها والتى أسهم الإعلام بوسائله المختلفة فى تأكيدها وتضخيمها وإنما تكمن أيضا فى تلك الأزمات الأخلاقية التى أصابت الضمير الإنسانى فى مقتل حتى أصبح ضمير الإنسان يمثل خطراً على نفسه وعلى مجتمعه الذى ينتمى إليه. والسؤال الذى يحتاج إلى إجابة ملحة هو: ما الهدف من وراء تلك الأعمال العدائية والتى لا تسىء للنبى محمد صلى الله عليه وسلم فقط وإنما تسىء إلى كل أصحاب الرسالات السماوية والذين دعا النبى محمد إلى احترامهم، وجعل الإيمان برسالاتهم جزءاً لا يتجزأ من أركان الإيمان برسالة الإسلام؟ وهنا نؤكد أن ما تعرض له رسولنا عليه الصلاة والسلام من إيذاء فى حياته كان أنكى وأشد بكثير مما يتعرض له بعد مماته ومع ذلك فلم تضعف همته ولم تفتر عزيمته، ولم يتوان يوماً عن نشر رسالة ربه. ومثل هذه الأعمال الخسيسة التى جاءتنا من قبل أقباط المهجر وبعض الصهاينة تهدف إلى إثارة الفتن وبث روح العداء بين المسلمين والمسيحيين ووضع المسلمين دائماً فى دائرة الدفاع عن نبيهم والذى شهد له المنصفون من المستشرقين بأنه صاحب أعظم رسالة عرفتها الإنسانية. إن المتتبع لحركة التاريخ الإنسانى عبر عصوره وحضاراته، والمتتبع لحياة النبى (صلى الله عليه وسلم) منذ ميلاده الشريف إلى يومنا هذا يلحظ أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) كان وما زال وسيظل أعظم الرجال، فهو الذى أخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربه، ولم يكن صلى الله عليه وسلم كما تشهد له الحقائق التاريخية ملكاً من ملوك الدنيا ولا مصلحاً اجتماعاً ولا صاحب مطامع دنيوية ولا باحثاً عن جاه أو متع زائفة أو داعياً الناس إلى تقديسه ورفعه فوق مستوى البشر أو داعيهم إلى عبادته وتأليهه كما فعل ذلك المتجبرون والمتكبرون وأصحاب الرسالات الزائفة وإنما كان صاحب أعظم رسالة سماوية علمت الإنسانية توحيد الله الخالص وعبادته دون سواه وعلمتهم كل معانى الخير والحب والتسامح والإخاء والرحمة والمساواة والعدل والطهر والإخلاص، يقول تعالى: (هُوَ الَّذِى بَعَثَ فِى الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، وهو الذى أضاء الدنيا كلها بالتوجيهات الإلهية التى من شأنها أن تحقق صلاح الناس فى دينهم ودنياهم وتقربهم من الله، يقول تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً)، وقد جاء النبى صلى الله عليه وسلم برسالة تصحح ما قبله من الرسالات وتكشف ما تعرضت له المعتقدات السابقة عليه من زيف وفساد وتزوير: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ)، وقد مدح الله أهل الكتاب الذين آمنوا برسالته وعادوا إلى الحق: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِى الأُمِّى الَّذِى يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِى التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِى كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِى أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (الأعراف157). وهكذا لم تكن خيرية النبى صلى الله عليه وسلم من فراغ، بل استطاع النبى أن يغير معالم الدنيا فى عصره ويقضى على الحروب والصراعات التى راح ضحيتها الكثير والكثير، كما استطاع أن يقضى على مفهوم الغاب الذى كان سائدا ومنتشرا فى الجزيرة العربية عبر قرون مديدة، ويحول ساكنيها من البدو الغلاظ إلى أمة تقود الدنيا نحو الخير وتؤسس أعظم حضارة عرفتها الإنسانية، وهكذا بذر الرسول الرحيم بذور الخير والرحمة فى قلوب الناس فكان أعظم عظماء الدنيا.. صلى الله عليك يا رسول الله. وهذه الأعمال العدائية تهدف إلى وضع المسلمين دائماً موضع المدافع عن دينه وشغلهم عن واقعهم، وصرفهم عن تحقيق نهضتهم، وتشتيت جهودهم واستفراغها فى الرد على مثل هذه الأعمال الاستفزازية ووضع الإسلام ككبش فداء (Scapegoat) للحضارة الغربية وخاصة بعد سقوط الاتحاد السوفيتى والقضاء على مهد الشيوعية، وأن يتكون فى الغرب شعور بضرورة وجود قطبين وأن الإسلام هو النقيض التام للغرب وغير ذلك من الفرضيات التى أثبت الواقع والتاريخ معا فشلها، وعدم صحتها، وسوء نية واضعيها. وهناك حقيقة قد استرعت انتباهنا أثناء زيارتنا للولايات المتحدةالأمريكية أنه كلما ازداد الهجوم على الإسلام كلما ازداد عدد المهتمين به والباحثين عن الحقيقة فى تعاليمه وكلما ازداد عدد معتنقيه ومكتشفيه من جديد مما يعكس التأثير الضعيف جداً لما يسمى بنصارى المهجر وهم أبعد ما يكونون عن تعاليم النصرانية التى جاء بها السيد المسيح عليه السلام. والحق يقال إن المسيحية الحقة وتعاليمها بريئة من روح التعصب والتطرف والعداء التى تنضح بها هذه الأعمال، ولقد كانت نهاية رسالة السيد المسيح عليه السلام وهو خير من دعا إلى المعروف والسلام ضحية للعنف والتطرف.