كل طرق الحزب الوطني تؤدي إلى التزوير، وكل الدلائل تشير إلى أن الرئيس وحزبه الديموقراطي يضمرون قرارا بتزوير الانتخابات البرلمانية، ويعدون ما استطاعوا من قوة القوانين التي سلقوها في مجلس الشعب ليرهبوا بها قوى وأحزاب المعارضة، ويضيقوا عليها ويعدموا فرص نجاحها في التواجد بالشارع السياسي أو بالندوة البرلمانية. المعركة التي يخوضها الرئيس وحزبه معركة كسر عظم المعارضين حتى لا يجرأوا على الوقوف أمام الرئيس الآن، ولا نجله في المستقبل! الرئيس وحزبه أصرا على عدم إصدار قانون السلطة القضائية الذي يضمن للقضاة إشرافا كاملا على الانتخابات، وهو إصرار لا معنى له إلا إذا كانت النية مبيتة على التزوير! والرئيس وحزبه يصرون على رفض الصناديق الزجاجية حتى يطبخوا انتخابات المجلس ويحصنوا نتائج الطبخة أيا ما تكون ومع كل ما فيها من روائح نتنة لا تدل إلا على التوسع المزمع في حجم التزوير! ولم يقتصر التزوير على انتخابات الرئيس التي هي أسوأ من الاستفتاء، ولكن تمتد الرغبة الرئاسية ومعها أعضاء المافيا التي تعشش في الحزب الحاكم إلى الانتخابات المرتقبة لمجلس الشعب، بعد استبعاد مجرد التفكير في إجرائها على أساس من القائمة النسبية. كل الطرق تؤدي إلى التزوير وهو صنعة الحزب الحاكم التي لا يتقن غيرها، وشب عليها وشاب، وقد ثبت الآن للقاصي قبل الداني أن أهل الحكم لا يريدون انتخابات إلا إذا كانت صورية، ولا يريدون إشرافاً قضائياً إلا منقوصاً، ولا يريدون أن يخرج الوعد الذي قطعه الرئيس علي نفسه بإلغاء الحبس في قضايا النشر إلي النور، لأنهم يريدون أن تبقي الأقلام الحرة في ظلام الخوف والتردد، ولا يريدون أن يتمكن أحد من الترشيح أمام نجله من بعده، إلا النكرات والباحثين عن الشهرة، وهؤلاء ثمنهم معلوم ورخيص، بعض الأموال توضع في جيوبهم ليكونوا ديكوراً لتحسين الصورة، وعلي الجملة لا يريد الرئيس مبارك أي انفتاح ديمقراطي يعرف أن نتيجته الحتمية هي إنهاء نظام عشش فيه الفساد! ولم يعد هناك أدني شك في أن الرئيس مبارك لا يريد إصلاحا ولا "دياولو"، وأن اللعبة التي يتقنها هي أن يبقي في الحكم ما شاء له أن يبقي حتى يتمكن نجله من الاستقرار الآمن علي كرسيه من بعده، والهدف أبعد من مجرد توريث الكرسي، وتأسيس أسرة حاكمة، فالأهم أن تغلق ملفات لو فتحت ستفيض بالفساد من كل لون، وعلي كل مقاس، منها ما عرفته مصر من بعض حكامها، وأكثرها إنجاز خاص يحسب للعهد، وأصحاب المصالح فيه، وبعضها الآخر لم تعهد سدة الحكم مثيلاً له علي طول التاريخ المصري! والرئيس مبارك لا يريد التنازل عن صلاحيات بالجملة يعطيها له الدستور، وهو يوفرها لنجله من بعده، وأصر علي رفض تحديد عدد مرات الترشيح للرئاسة حتى يطلق المدد أمام الرئيس الابن تمهيدا لربع قرن آخر من الزمن الضائع تحكم فيه أسرة الرئيس، وهي مدة إضافية تمنحها الأسرة لنفسها لكي تكرس وجودها الدائم في حكم مصر إلي ما شاء الله. ولا يريد أهل الحكم أن يغيروا أحداً من شلة الحكم بحجة أن بعضهم شاب فوق مقاعده، لأن الحجة نفسها تصلح أساسا للمطالبة بتغييرهم وتغيير كل الطاقم الحاكم عن بكرة أبيه! كل ما يريده الرئيس أن تبقي القوي والأحزاب السياسية المطالبة بالتغيير حبيسة الحدود التي وضعها بنفسه، وبقوانين استنها بأغلبيته، وبشروط يستخدمها لتثبيت نظامه، وبحصار داخل المقرات الحزبية المغلقة، والصحف محدودة التأثير، وأوضاع دستورية وقانونية تكرس سيطرة حزب المصالح علي الدولة، وتضمن له البقاء فوق الكرسي، وتمنع قيام أي بديل جدي لنظام انتهى عمره الافتراضي، والمطلوب أن تلعب المعارضة علي الأرض التي اختارها أهل الحكم وبالقواعد التي وضعوها! أهل الحكم في مصر أعلنوا عن نواياهم وخططهم السياسية في المرحلة المقبلة، وليس من بينها كل ما طالبت به القوى والأحزاب السياسية على مدار الثلاثين عاما الماضية، ليس من بينها على سبيل المثال إطلاق حق تكوين الأحزاب، بل زادت القيود التي تكبل حق تشكيل الأحزاب وزادت المخاطر التي تهدد استمرار الحزب حين نشأته، وليس في نية أهل الحكم إطلاق حق إصدار الصحف، بل قيدوا حق الأحزاب في إصدار الصحف وحددوها في صحيفتين، ولا يبدوا أنه يدخل في تفكير أهل الحكم أن يلغوا المواد التي تجيز حبس الصحفيين في قضايا النشر، بل فعلوا العكس وأضافوا إلى العقوبات مادة تجيز حبس الصحفيين إن هم تجرأوا على نقد المرشحين في الانتخابات، وهو ما يعطي حصانة للمرشح من النقد، وغلظوا فيها العقوبة ليرتدع الصحفيون عن التفكير في نقد من لا يريد أهل الحكم نقده، وإلغاء قانون الطوارئ ليس على قائمة أولويات الحزب الحاكم، وليس من بينها إطلاق سراح المتبقين من جيل كامل من شباب قضى زهرة عمره في السجون والمعتقلات في ظل أسوأ الأوضاع! لو أن في نية أهل الحكم ولو بنسبة واحد في المائة أن يسمحوا بإطلاق حرية تكوين الأحزاب لكان هذا هو وقت التنفيذ، وهم في أمس الحاجة إلى تحسين صورتهم أمام الداخل المتيقظ وأمام الخارج المتحفز! لو أن في نية أهل الحكم ولو بنسبة أقل من الواحد في المائة أن يفتحوا أبواب التعبير والتنظيم أمام القوى السياسية لفعلوها الآن، وهم في أشد حالات الحاجة إلى الرضا السامي الأمريكي ضمانا لبقائهم واستمرارهم! لو أن الرئيس وحزبه ينويان إصلاحا ما رشحوا تلك الوجوه الملعونة شعبيا، على قوائمه الانتخابية! أهل الحكم يثبتون بالقول والفعل أنهم عصيون على الإصلاح، وهم يلعبون الآن بنار "الفتنة" التي لن تحرق الوطن قبل أن تأتي على البقية الباقية منهم!